ومع أنها تبدو امتدادا لما يسبقها من مجموعات إلا أنها تقدم مقولاتها الخاصة بها، أو تقدم المقولات نفسها وقد اختمرت فيها الأسئلة والنظرة إلى الذات وللآخرين، لذلك تحضر الأنا/ الذات بصفتها موتيفا أساسيا حاضرا بقوة لا يتوارى ولا يتقنع، وتقوم بتشكيل العالم على النحو الذي يريده الشاعر منذ المقطع الأول وحتى نهاية المجموعة:
«أنّثْتُ نسراً
ظل يتبعني كظلّي
حارساً نجمي الذي أنّثتُ
يرقد في سريرٍ
كنت قد أنّثته
حتى غدا أسطورتي..
وغدا معي
صوتي المؤرّق بالجمال».
فالشاعر يؤنّث نسرا ونجما وسريرا، بل يريد العالم كله مؤنّثا في قصائد أخرى، ويصوغ أسطورته الشعرية الخاصة والمختلفة، وهذه الأسطورة التي يريد تشكيلها لا يمكن فصلُها عن اللحظة التي كان فيها العالم مؤنثا، وإعادته إلى سيرته الأمومية الأولى، وهو ما يقوله في كثير من قصائد هذه المجموعة، هذه الأسطورة التي لا تنفصل عن الشعر، بل إنها تنهض به ومعه: «وغدا معي صوتي المؤرق بالجمال»، ذلك أن الشعر رديف للذات، أو اللسان المعبّر عما يدور في رأس الشاعر.
وتتأسس المجموعة على فعْلَي: الرؤية/ الواقع، والرؤيا/ الحلم.. يرى في العالم.. ولكنه يحلم أن يكون العالم.. لذلك تبدو المجموعة محفوفة بالشجن والأسى، لكنها تعج بالحياة وبالحب وبالخروج على العالم الآسن بأدوات الشعر والحلم والطيران..
«كوابيس في لحظة الورد
حين الورود تلملم من أغنيات المساءات همسا ولونا رقيقا
وتغدو المسافة بين الحرائق والورد حرفا جليلا من الورد
والحرف حرف
يولد حبا ويشعل حربا»..
فالحرف هو ملتقى الرؤية والرؤيا، به يواجه العالم وبه يصنع عوالمه الخاصة، وبه يؤسس للحياة ويقف في وجه مهزلة الموت:
«أشهد أنيَ قد عشتُ، 
عشت القرون أرى كل ما لا يراه سواي، 
سمعت الذي ليس يسمع غيري، 
قرأت الحياة،
وأوغلت في كتب الموت، 
حتى تعلمت كيف يكون التناغم بين أغاني الحياة ومهزلة الموت».
وبين الواقع والحلم تقدم القصيدة مشاهد لتشظّي الذات والزمان والمكان والناس: (آلاف السنين، آلاف الأمكنة، ألف ألف مسيح، وألف ألف يهوذا، وألف طريق، وألف كابوس وكابوس، وألف ليلة وليلة، آلاف الزنازين، وألوف أعوام من القتلى، ومئات العواصم)، وغيرها من العبارات المأخوذة من القصائد نفسها والتي تقدم سيرة الشاعر وسيرة الوطن/ فلسطين والوطن العربي الكبير والعالم منذ ما قبل التاريخ إلى أرض اللحظة التي يحياها، فلسطين منذ كنعان، والإنسان منذ آدم، والعالم منذ كان مؤنثا وأنثى. 
لذلك، فالشاعر ابن كل الأمكنة والأزمنة والتاريخ الشخصي والفلسطيني والعربي والإنساني بحلوه وبمره، وتبدو المجموعة كأنها قصة شعرية طويلة ملحمية يروي الشاعر خلالها سيرة العالم كما يراه وكما يريده وكما تَشكّل على مدى تجربة الشاعر في رأس الشاعر. 
هذا من النوع من الكتابة لا يحفل بالصور إلا ما جاء منها طوع السياق والمعنى، بأسلوب درامي لا يتخلى عن الغنائية، فهو يسرد ويحكي وينوع بين حوارات داخلية وخارجية ويعرض صراعات داخلية وخارجية. إلا أن الغنائية أُمّ الشعر تبقى حاضرة وحاضنة لما يتشكل في داخل القصيدة من تقنيات وأدوات تزيدها حركية وحيوية. فالذاتية والعاطفة الواحدة التي تسود القصيدة والوفاء للإنشاد، كل ذلك حاضر بوصفه القالب الكبير الذي يحمل في داخله مشاهد درامية قد تبدو في بعض لحظات القصيدة ومقاطعه ذات نفَس ملحمي من نوع خاص يطبعها الشاعر بصفته وبلغته وبأسلوبه:
«هل ترى
تنتظرونْ
ساعة
أفتح بحرا من بحور الشعر
نحو العاصفة
وأغنّي كلماتي الراعفة
وأغنّي كل ما أحلمُ
ويقول: وأعرف أنني ما زلت أعزفُ».
لذا، يبدو التكرار سمة أسلوبية ضرورية لتطوير الحدث والسير به إلى مصير غالبا ما يحدده الشاعر أو يتركه أحيانا مفتوحا على الأسئلة.
إن الشاعر يكتب انطلاقا من ذاته في ضوء عوالمه الداخلية التي تصوغ العالم الخارجي وتعيد صياغته في كل قصيدة، محافظا في الوقت نفسه على المسافة الكافية لحرية الشعر وانطلاقه، لتمكين قصيدته في أرض الشعر بصوته الخاص الذي لا ينفصل عن ماضيه ولكنه يصنع حاضره وحاضر قصيدته:
«فأنا،
الميت من سبع عجاف،
لم أزل أحمل قيثارة أسلافي
لكي أبحث عن قيثارتي
فالشعر أن تبتعدوا عني قليلا».
 وأخيرا، فإن عمر شبانة يقدم رأسه قربانا للشعر وللحياة مرتين: مرة حين يكتب ذلك، ومرة حين يقدمه للقارئ، ليقرأه ويكتبه من جديد..