عنوان الديوان :
العنوان هو شفرة النص ؛ وفى هذا الصدد يرى الدكتور محمد فكرى الجزار أنه يتفق المبدعون والنقاد على أهمية العنوان فى تشكيل دلالة الديوان بشكل عام ؛ والقصيدة بشكل خاص ؛ فالعنوان يشف عما بعده بما يعنى لغة العنوان تكشف عن عملها ؛ أو بتعبير آخر تحمل عملها حملا دلاليا ؛ وكأن العنوان فى هذه الحالة عمل مختزل أشد ما يكون الاختزال
وعنوان الديوان الخامس للشاعرة نجاة عبد الحليم هو : " جغرافيا اللحظة " وهذا يجعلنا أمام وصف مباشر للمكان من خلال كلمة
" جغرافيا " ؛ فال " جغرافيا " علم يهتم بالأرض ووصفها وشكلها وعمقها وسطحها ؛ أما كلمة " اللحظة " فهى وحدة زمنية ؛ ومن هنا فان الشاعرة جمعت فى عنوانها المكان والزمان ؛ ولو كان هذا الزمان " لحظة " واحدة ؛ ومن هنا يتبين لنا أن الشاعرة تركز على اللحظة خلال البعد المكانى ؛ فكأن العنوان هو نص مختزل للغاية لقصائد الديوان .
قصيدة ( آخر طلقة ) :
ان الذى يقرأ قصص الجواسيس و أجهزة الاستخبارات يعرف جيدا أن المقصود ب " آخر طلقة"
هو : " رصاصة الرحمة " التى يتم اطلاقها على الجزاسيس والخزنة لترحمهم من التعذيب أو فى حالة كشفهم من العدو ؛ ولعل عنوان القصيدة يجعلنا نتساءل : " من الذى أطلق الرصاصة الأخيرة ؟ " و : " على من تم اطلاق الرصاصة ؟ "
تقول الشاعرة فى مفتتح القصيدة :
(أشعر بقوة عاطفية لم أكن أمتلكها من قبل
أرسل اليك عناقا
عبر أفكارى
أختبر مدى استجابتك )
نحن أمام مونولوج داخلى تتحدث فيه الشاعرة الى محبوبها عن شعورها بعاطفة جديدة لم تكن تشعر بها من قبل ؛ فترسل الى محبوبها عناقا عبر أفكارها كى تختبر مدى استجابته لها !!!!
تقول الشاعرة فى ختام قصيدتها :
( أنظر الى حجم فتورك
ما عاد ذاك البريق فى عينيك
يغمرنى
الى أى مدى سيكون هذا غريبا
لا توجد أماكن كثيرة للاختباء
اطلق آخر رصاصتك
فى رأسى )
تجد الشاعرة أن محبوبها لا يهتم بها ؛ ولم تر بريق عينيه الذى كان يغمرها عندما تاتقى به ؛ وهنا تقرر الانسحاب ؛ وتطلب من محبوبها أن يطلق عليها " آخر طلقة "
وتستخدم الشاعرة أسلوبا من أساليب الايجاز اسمه : " ايجاز الحذف " ؛ وفيه نحذف شيئا من العبارة دون اخلال بالفهم ؛ ولهذا يجب ان نحتاط فى استخدام ذلك الاسلوب البلاغى حتى نبتعد عن الغموض والابهام ؛ مما نطلق عليه اسم : " التعقيد المعنوى " وهو كون التركيب خفى الدلالة على المعنى المراد لخلل فى انتقال الذهن من المعنى الأصلى الى المعنى المقصود
ويلاحظ القارئ أن الشاعرة استخدمت بحرفية فنية " التورية " وهى من المحسنات المعنوية فى علم البديع ؛ وذلك فى نهاية قصيدتها فى قولها : " اطلق آخر رصاصتك فى رأسى " فالتورية : ان يطلق لفظ له معنيان : أحدهما قريب ؛ والآخر بعيد ؛ فيراد البعيد منهما ؛ والشاعرة لا ترغب فى اطلاق الرصاصة عليها لكنها تريد من محبوبها الابتعاد عنها ومن هنا فان هذه القصيدة فى حاجة الى ناقد متخصص يكشف للقارئ ما ترمى اليه الشاعرة وهو وأد العلاقة العاطفية مع محبوبها ؛ وكأنها تطلب منه أن يطلق رصاصته الأخيرة على علاقتهما بعد أن لمست فتوره وغياب بريق عينيه !!!!
قصيدة : " أسد وقطة "
هذا العنوان يجعلنا أمام قصة من قصص عالم الحيوان فى قالب شعرى ؛ فال " أسد" هو ملك الغابة ورمز القوة والكبرياء أما ال " قطة " فهى حيوان أليف وديع
تقول الشاعرة :
( كظلى يسابق خطاه
تستوقفنى عيناه
يطلب أن يتمشى حدى
تضم خصرى يداه
تؤنس وحدتى الحكايا
ومحياه
يصفر
أستنشق أنفاسه
عبيرا )
يتبين للقارئ أن الأسد فى القصيدة هو الرجل بينما الأنثى هى القطة ؛ وتشير الشاعرة أن الرجل يلاحق محبوبته ويتبعها كما يلاحق الأسد فريسته التى لا تستطيع المقاومة ؛ فالحبيب يلاحق محبوبته بنظراته الساحرة ويطلب أن يسير معها ويضمها فى رقة واضعا يده على خصرها ؛ فيصير المحبوب شاغلها ؛ وعندما تكون وحيدة يؤنس وحدتها ؛ فتتذكر تفاصيله وتسترجع حكاياته ولقاءاته وينتهى المقطع الأول من القصيدة باستنشاق الشاعرة عبير أنفاس محبوبها
تقول الشاعرة فى ختام قصيدتها :
( يلاحقنى حبه
أجرى من نفسى
ينفصل رمقى الظامئ
تتهدج أنفاسى
تعطينى ضوء أحمر
ينبعث من ذاتى
يتوقف مجرى الدم ونبع الحنان
وبين هذا وذاك
أموووووت )
ان علاقة الشاعرة مع محبوبها لم تنته فحبه لها يلاحقها وهى لم تستطع المقاومة مهما حاولت ؛ وهنا ينبعث من ذاتها ضوء أحمر لتستسلم لمحبوبها فيتوقف مجرى الدم ونبع الحنان داخلها حتى تموت !!!!!
ويلاحظ القارئ أن الموت عند الشاعرة نجاة عبد الحليم ليس مغادرة الحياة ولكنه الموت حبا وعشقا للمحبوب ؛ ونحن كقراء ونقاد متخصصين لا يسعنا الا أن نقدر ابداعها " حبا وعشقا !!!!
الناقد / عاطف عز الدين عبد الفتاح 21.09.2013 21:32