ظاهرة التشكيل البصري في نص الشاعر الامير بدر بن عبد المحسن.....بقلم الشاعر صالح الهقيش
عرار:
ظاهرة التشكيل البصري في نص الشاعر الامير بدر بن عبد المحسن.....بقلم الشاعر صالح الهقيش
شمسٍ عليها شمسٍ
و جمره على جمره ارضٍ مثل جره مليانةٍ رمل و قلوب مصفره تكسرها كل خطوه تكسرها كل لفته هذا الزمان غبار به لحظتين امطار موت العطش مرات اما الغرق..مره (البدر)
أيه الاحبه : ان المتتبع لمراحل الشعر النبطي لا بد ان يتوقف عند عدة تجارب,من أهمها تجربة الامير الشاعر (مهندس الكلمه) بدر بن عبد المحسن. ان لتجربة البدر الأثر الكبير في تطور شعر التفعيله والقصيده الغنائيه في الخليج وفي الوطن العربي عموما,لما لها من جاذبيه عاليه جدا ,من حيث الاحساس العالي, والإيماءة ، والعلامة ، والكتلة ، والشكل ، واللون ، والضوء.
أما الحديث عن ظاهرة التشكيل البصري في قصيدة البدر ,فهو يشمل كل قصائده ,لأنه لا يوجد قصيده للبدر الا وفيها مثال او اكثر على التشكيل البصري, ولمعرفة التشكيل البصري علينا ان نعرفه أولا , فهو : كل ما يمنحه النص للرؤية سواء أكانت الرؤية على مستوى البصر (العين المجردة، أم على مستوى البصيرة) عين الخيال. وسأولج بعض الامثله على هذه الظاهره من بعض نصوص البدر 1. بيض الردون.. يبني السراب خيامها.. وسط الخلا واقدامها.. تنبت عشب وتمطر غمام.. لامن لمحت اثارها.. يطري علي عشق الخلا.. وقصيدةٍ (( لبن غيام))1 في حومة العقبان.. في الازرق .. الازرق.. شمس الضحى جمره.. شفت الندى يعرق في وجنة النوار.. بدخل تحت سدره
صور متلاحقه,وكأنها عين المخرج السينمائي .تنقلك من مشهد الى مشهد ,بكل جمال ورقي,فنرى السراب يبني خيام بيض الردون,ونرى العشب وهو ينبت, والمطر وهو يتساقط,والعقبان وهي تحوم في السماء الواسعه ,وشمس الضحى عند بزوغها وهي كالجمره ,والندى الذي يعرق ,صور هائله متراكمه بتراتبيه محببه لا يتقنها الا فيلسوف يعرف الى اي مدى يمكن ان تفهم كلماته,ولربما ما زاده جمالا هو دلالة اللون ,فالسماء زرقاء,وشمس الضحى جمره,والردون البيض,فلسفه ذات سياق محبب ولا تشتت القارىء ابدا ,بل تجعله ينسكب في انائها. 2. فم الجروح .. نوافذ البوح.. هذي ثقوب الصارخ الحي.. نوافير من ضي .. وجدار أملاها بحديث النار.. وأكسرها على اقدام الأماني.. مره أغاني .. كلام جارح.. وهذا القصيد اللي كتبت البارح.. اليوم انفاس الصباح.. تلفح الجروح.. لهذا المشهد بعد عميق ,يحتاج الى فكر أعمق منه.وكأن البدر يستخدم ميتافيزيقيا الخيال البصري .,ومكوناته,ولعل بداية المشهد هي بداية هذا البعد.(فم الجروح...نوافذ البوح),السؤال الذي يتردد في ذهن القارىء العادي ,هل للجروح فم؟؟ليجيب البدر بكل تجلي :نعم انها نوافذ البوح,عليك ان تتخيل المشهد سينمائيا ,لتتقن تفكيكه,(هذي ثقوب الصارخ الحي),صوره تكاد تتحسسها ,وتسمعها ,(املاها بحديث النار....واكسرها على اقدام الاماني),صوره تستدعي منك التفاعل معها,هو يحدثنا عن التساؤل ويجيب عنه ب(مره أغاني .. كلام جارح.. وهذا القصيد اللي كتبت البارح..) ويختم المشهد ب(انفاس الصباح..تلفح الجروح),لك ان تتخيل الصوره يا عزيزي جيدا.
3. أول اليوم عانقت الشفق وآخر اليوم عانقني شفق وأنا بين التلاقي والفراق أدفن العمر وأحفر لي نفق يا حبيبي وأنا مثلك غريب عن حمى النوم غربني أرق اقطع الليل لديار النهار واغسل الدمع من شط العرق ولا جمعني بك الموعد لمحت ألف نجمٍ توهج .. واحترق عانقت الشفق!! عانقني شفق!!! لوحه تتحدث امامك ,فهي تتشكل وتتحدث,وتومىء ,بطل هذه اللوحه يقف بين اللقاء والفراق,يدفن العمر ,ويحفر لنفسه نفق,فهو وحبيبته غريبين ,وهو في غيابها غريب عن بلاد النوم,وهو تائه يقطع الليل ذاهبا لديار النهار يبحث عن شط التعب او العرق ليغسل دموعه,وحين يلتقي بمحبوبته,يرى النجوم وهي تكتمل حتى الاحتراق, صوره متحركه من حيث البناء الدرامي,الصوره ,اللون ,الفعل ورد الفعل بين الجمادات,الصوره هاهنا تنطق في نصوص البدر. ان لذاكرة اللون في نصوص البدر ,أثرها الكبير على فنه ,فهو فنان تشكيلي ايضا, ولربما هذا ما جعل منه ما أصبح عليه ,من شاعر يتقن رسم الصوره ويضعنا في احداثها وتحولاتها. وهذا ما يسهل علينا دائما تأويل كل رؤيه في هذه النصوص,فلقد برع البدر في اتقان اللقطة السينمائية، والسيناريو, فلقد غيرت هذه الوسائط عملية إنتاج الثقافة نفسها ، وأفرزت معها – بلا شك - قيما ومفاهيم وجماليات جديدة لطرق الإيصال ، وأساليب التأثير ومساحة الاستهلاك ، وأذواق المستهلكين للثقافة والفن.(1)
فالحداثه عند البدر كما هي عند بارت في درس السيمولوجيا ,فهي:المبدأ الأساس أو القيمه الاساسيه,وارتباط الالفاظ الاساسيه التلقائي بالامور المألوفه.(2) ولعل من أهم منجزات البدر بشكل خاص, توسيعه لمفهوم الصورة بحيث أصبحت لا تقتصر على الإشارة إلى الجانب التخييلى المجسد للمجردات بطرائق حسية تمثيلية ، بل تشمل شبكة من الإجراءات التى تمتد من توظيف العناصر السردية الحركية ، وعناصر اللون والفراغ وزوايا التبئير وفنون القطع والمونتاج وغيرها 00وذلك بإيجاد مساحات فسيحة للتصرف اللغوى ( أداة الشعر الأساسية ) وتنمية أنماط من التراكيب والصور النحوية ، وهذا المفهوم الواسع للصورة كما يقول علماء اللغة – يعكس كفاءتنا فى بناء الواقع حسب
نماذج صورية متنوعة ، إلى جانب الصور الصوتية الإيقاعية.
لقد أصبح البدر بن عبد المحسن ,مدرسه شعريه لها اساسها الخاص ومبادئها الخاصه ,في الشعر الحديث,فالشعر عند البدر هو حالة الحس بالاشياء بشكل تصويري ,وابداعي, فلنص البدر لون ورائحه ونكهه,وكأنه عليك ان تستجمع حواسك كلها للألمام بأحد هذه النصوص.
البدر حاله شعريه فرضت نفسها بكل احترام ,فهي لم تنكر جمالية الشعر القديم ,بل استمدت منه بعض امتداداتها,واخذتنا لكل حالات الجمال الشعري . شكرا لمهندس الكلمه سمو الامير الشاعر بدر بن عبد المحسن ....................................... المصادر 1. تقنيات الصورة والتشكيل البصرى – قصيدة التفعيلة نموذجا احمد رشاد حسنين 2. وليام راي(المعنى الادبي _ص29)