عرار:الشعر بوصفه نتاج التجربة الجمالية يتصف بالحسية والانفعالية والمجازية الصورية ..اذ انه (لغة داخل لغة)على حد تعبير بول فاليري..
فهو المتخيل الابداعي نتيجة ثنائية الخلق والتشكيل حيث يقتحم عوالم مفعمة بالرؤى..فيغدو خلق وتوليد متخيلات من جهة ورؤى ومواقف من جهة اخرى..اذ فيه تتجاوز اللغة فتعبرعن مساحات انفعالية يتجلى فيها الابداع.. لان التجربة الشعرية محفز عقلاني للغوص في اعماق الروح الانسانية والمعالجة اليومية من خلال الشعر الذي هو جواز عبور الشاعر صوب المستحيل بتجاوز الواقع واعادة خلقه ابداعيا من خلال الانزياحات الدلالية التي تسمح بالابتعاد عن الاستعمال المألوف للالفاظ وخوض غمار الاسئلة من اجل ايقاد شرارة الفكر.. وشحذ الذاكرة الجمعية لتحقيق الوعي الذي يعني الموقف الفكري الملتصق بالانسان عبر منظور واع للتجربة التي هي مغامرة الشاعر لحظة امتلاكه الوعي واتقاد وجدانه من اجل اختراق الآفاق الزمكانية بصيغة دينامية متجاوزة للمألوف ومستنطقة للقيم الجمالية التي تحقق فعلها الوجودي..
والشاعر شينوار ابراهيم الذي كان ظهوره الابداعي مع موجة العقود الاربعة الاخيرة التي شهد لها منجزها الابداعي المقترن بحركة التحرر الوطني الكردية التي اسهمت في حركة التجديد الادبي شعرا ونثرا تحت تاثير الافكار التقدمية هذه الحركة سادت..وشاعرنا احد شعراء الحداثة.. الغائب باغترابه ..الحاضر بابداعه الشعري والقصصي في (خطوات الليل)و(في ظل الماضي) والمسرحي (التحقيق)و(نشيد الحياة).. والترجمي في(شنكه وبنكه) و(ديكل اغا)..لغاته العربية والكوردية والالمانية العربية اضافة الى انه عضو المجلس العالمي للصحافة والاتحاد للكتاب الدوليpen وعضو منظمة العفو الدولي..
شينوار ابراهيم شاعر القصيدة المقطعيةالقصيرة جدا والتي هي كيان شعري قائم بذاته (جسده الايجاز والمفارقة روحه) على حد تعبير الشاعر الانكليزي كولردج..كون الشاعر يستنطق النص الذي ينتهي به.. وهو يعتمد مفردة خالقة لصورها والتي تشكل قدرة التوصيل باختزال الوجود ونسجه في بناء تخيلي من اجل تحفيز الذاكرة على التشكيل البنائي المؤثر بايحاءاته وانزياحاته وطاقته التصويرية والدلالية التي تشكل الوظيفة الجمالية للتجربة الشعرية المغامرة..
زهرة
تصلي للسماء..
راكعة
تضع راسها
بين اضلعي
تبلل
جرح وجهي
عبقا
فالقصيدة عند الشاعر كون يتلبد افقه باشارات مكثفة رامزة ترتكز على انزياحات الصورة المنفتحة على فضاءاتها الهندسية فتؤثث مساحتها ببنية تتكىء على مشاهد حركية متصارعة في وجودها الذاتي والموضوعي..
نظرات
عينيك الزرقاوين
تمنحني
وسادة
امل
لغد لا ينام..
ففاعلية الرؤية عند الشاعر فاعلة في ادراك الذات والاشياء ومستوى البناء لذا الفني، ..خرجت قصائده مازجة ما بين المشهدية والحدث من خلال التوظيف الطبيعة الساكنة وانسنتها في بناء متسم بالعفوية المعمقة التي مكنته من النفاذ الى الذاكرة واعتماد التركيز والتأملية المكتنزة بالايحاءات والرموز جمالية وتقنية فنية تنطلق من الواقع وتتجاوزه..فتقدم صورا شعرية تميزت بكثافتها ودقة تراكيبها الدالة..
فالشاعر يستعين بنوع من التكثيف والاقتصاد اللغوي واللحظات المشحونة بالالم .. مع درامية دينامية تميزت بدقتها الشعورية التي تقوم .. المتسارعة على فكرة حدثية وبناء شكلي يتسم بالاختزال الجملي الذي يحمل العمق الدلالي الكامن وراء دالة رمزية.. من اجل تقديم عالم مكتمل في تنسيقه الجمالي نتيجة اكتنازه الدلالي وعمقه الفني واتسام صورته بالتكثيف وصولا الى اقصر اشكال القصيدة التي تنقل موقفا شعوريا بعاطفة متدفقة كي تخلق تكوينا محققا لاثارة التحفيز الجمالي في البناء الشعري وتحريك الذاكرة.. ففي نص(حلبجة)..
سحاب
عواصف
مطر اسود
تمسح لحن اغنية
منسية
ريح صفراء
تسرق
نظرات الشمس
تاخذ
لون
الارض
تكتم
صرخات
طفل
وتحرق
ضحكات
وردة حمراء
لم تفق…بعد
يتحول المكان الى رؤية فكرية عبر انزياحية محتفظة بعمق الموجودات والاشياء التي ترمز له عبر لغة استدلالية شفيفة مع صدق الدلالة التي تتمحور النص.. يبني الشاعر نصا يعتمد الذاكرة بانزياح لغوي بعد ان هيأ للحدث كي يبعث الصدمة المنبعثة من مكان ملتهب متصارع بتشكيلاته الرامزة..والتي شكلتها مقطعية شعرية تربطها وحدة موضوعية (وحدة الحدث) شعرية تربطها وحدة موضوعية الدلالات والمحملة بايحاءات مهمومة منطلقة من بؤر موضوعية متوترة بايقاعها الداخلي والخارجية متمددة في كل دال ومدلول يتحركان ضمن دائرة النص التي (هي معطى موضوعي سابق بحركة الانسان وفعله) اعتمدت الاحساس بالزمن الذي هو لارتباطهما عضويا في بنية هذه التجربة الشعرية والاحساس بالاخر (ورؤيته كما في مظهر لمركب عاطفي وعقلي في لحظة من الزمن) تخلق صورها التي هي باتعمادها التركيز والتكثيف مع القدرة على تفجير الطاقة اللغوية .. يقول عزرا باوند اضافة الى اعتمادها اسلوب الاسترجاع الذي بواسطته يحاول .. واستثمار امكانياتها .. الشاعر ان يكثف اللحظة ويعري الواقع عبر شريط التذكر .
صمت ابدي
في السابع عشر
من
آذار..
فالشاعر يوظف التاريخ بيومه وشهره وسنته كي يثبت ديمومة الحدث في الذاكرة الانسانية..
وبذلك قدم الشاعر نصوصا وجدانية معبرة عن صدق التجربة الشعرية التي مكنته من استقصاء الجوانب البنائية والتعبيرية..فكانت نصوصا متوجة لتجربة اختزنتها الذات الشاعرة وبثتها على فضاءاتها بوصفها نتاج التجربة الجمالية المنبثقة منها موقف حسي انفعالي يتعامل مع الواقع..وينقل متلقيه صوب بؤر النص المتمثلة في القيمة الجمالية للظواهر الطبيعية التي تتاثر وتنفعل وتتفاعل في نصوصها التي هي جزء من تجربتها المثقلة بالهم الاغترابي من جهة والانفعالية التي تشكل مظهر التجربة النفسي من جهة اخرى..