|
عرار:
بقلم : صابرين فرعون عرف العرب "ريح الصبا" منذ القدم بما تحمله من نسائم عليلة، تزيل غمة المكروب وتنشله من عمق حزنه، وقد تغنى بها الشعراء العرب وحمّلوها الشوق وناشدوها الأخبار الطيبة، كما فعل مجنون ليلى وابن الزقاق البلنسي وابن سهل الأندلسي وغيرهم من الشعراء.. وفي التاريخ الإسلامي، قال فيها النبي محمد-عليه الصلاة والسلام- "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور".. في رواية "ريح الصبا" ، كان لهذه العنوان المركب دلالات مهمة: - ثانياً: في قول حبيب، شخصية رئيسية، ص 124: "خانتنا المسافات يا صبا، صِرنا مُعلّقيْن على حبل غسيل، كُلّما اقترب قميصانا من بعضهما، هبّت الريح فأبعدت أحدهما عن الآخر"، إشارة إلى الانصهار الروحي في بوتقة جسدين يتوق كل منهما للآخر، وإشارة للريح التي جاءت خلافاً لما عرفت به ريح الصبا عند العرب بما تحمله من خير. - ثالثاً: رسمت الثريا معالم خصبة ل"صبا"، فمثلاً: صبا/ صورة الماء، صبا/ أنا، صبا/الصديقة، صبا/الحبيبة، صبا/الغجرية... أما عن علاقتها بالآخرين، البعض يحافظ على الحدود المرسومة له في نطاق العلاقات، ويبقى على بر الأمان مع الطرف الآخر، كما زينة، شخصية مُحرِكة، الصديقة التي ساندت صبا في أحلك الظروف، لم تتخلَ عنها، حتى وإن اختلفتا في رؤيتهما في الحوارات الدائرة بينهما، بعكس سنية، شخصية ثانوية، خانت صبا في مرحلة الانغلاق على الذات لاحتواء الغضب والألم، فوقفت مع شكري، شخصية ثانوية، مدعية إصلاح البين وفي الواقع كانت ترسل صديقتها للهاوية في نجاح علاقة تقوم على الجسد لا الحب ولا الأمان، فتتسع فجوة الوحدة والانغلاق والعدمية.. - رابعاً: تقول صبا في حوارها مع زينة ص 203 "كل ما ملكته أو خُيّل إليّ أنّني ملكته طوال سنوات عمري كان منقوصاً، الزوج نقصه الوفاء، الحبّ نقصه الأمان والبيت نقصه الأطفال، حتّى اسمي يا زينة، الذي سمّاني به أبي من فرط عشقه لمقام الصبا الحزين، كان اسم مقام موسيقيّ ناقص". في طرحها، تسعى الثريا للكسر والتجبير ومعضلة العلاقات الشائكة "الشرعية والمُحرَمة"، فتحكي عن الخوف الذي يسكن بواطن الإنسان وينبت تحت جلده، يخاف العصيان "خوفاً" من العواقب، يخاف التحرر "خوفاً" من التوحش، يخاف الاستقلالية "خوفاً" من التملك، يخاف الحب "خوفاً" من الفقدان. تعرضت الكاتبة للمرأة، مُصوِرةً عوالمها الذهنية والحسية في معاركها للقمة العيش، حساسيتها لأدق التفاصيل وتوقها للاهتمام والإستقرار، ومكابرتها على جرحها وعنادها لتحصل على حرية كاملة كما البلاد.. برغم براثن القبلية وتفشي فهم الفحولة بأنها ممارسة السلطة والقوة على المرأة وضياع الأنا، هناك دعوة للتأمل بالحياة وعيشها "بالطول والعرض" قبل الموت، وهذا ما نراه في مشاهد عديدة، أهمها المقطع الذي تتحدث فيه صبا عن استكمالها لقراءة رواية دان براون "شيفرة دافنشي" التي كانت سبب رحلتها لروما وتحديداً الفاتيكان وفهم رمز الأنثى المقدسة ص50-51. كذلك نصيحة العجوز في البحيرة لها "لن تستعيدي حياتك وأنت تتوجّسين خيفة من كل من حولك، ومن الماضي العقيم الذي مازال مغتصبوك فيه يحاصرونك حتى اليوم. لكن احذري، وتوجّسي كثيراً من لطمات سوف تأتي، لكنّها ستغدق عليك قوّة رهيبة. ثم اختفى كأنّه لم يكنْ، وتركني صنماً متجمّداً في مكانه" في مشهد آخر، استعدادها الفطري وتسلحها بالشجاعة لرحلة مع ذاتها الأنثى لفك الألغاز.. تعرضت الكاتبة في روايتها للجنس ووظفته في رحلة للماوراء بحثاً عن التوازن والانسجام بين العقل والجسد، مؤكدة أن الحرية لا تتمثل بجسد يقدم الرغبة التي تفنى بتوقف القلب عن نبضه، وأنه يُوهَب بإرادة حرة وكاملة ليخلد بالفن مثلاً باعتباره من الأدبيات التي ترقى بالإنسانية، كما في رد صبا على شبق حبيب ص 58 تحدثت الثريا عن سلوكيات تغزو المجتمع كالبراكاجات في مراكب النقل والمواصلات، وأوراق "التاروت" التي تلجأ لها النسوة في الأحياء الفقيرة للتنبؤ والعرافة ومعرفة الخبايا العاطفية.. الثريا رمضان إعلامية وشاعرة وروائية تونسية، حاصلة على درجة الماجستير في علوم الإعلام والاتصال، لها ثلاث إصدارات: قصة "غداً يشرق النيروز" وديوان شعري "عارية أنام والخطايا". متابعات الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 08-12-2016 08:53 مساء
الزوار: 2147 التعليقات: 0
|