الشارقة - عرار: غيث خوري: تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، افتتح الشيخ سالم بن عبدالرحمن القاسمي رئيس مكتب سمو الحاكم، صباح يوم أمس، في متحف الفنون بالشارقة، الدورة 19 من مهرجان الفنون الإسلامية، الذي تستمر فعالياته حتى 24 من يناير/كانون الثاني المقبل، تحت مسمى «بُنيان»، كثيمة توحِّد التجارب الفنية المشاركة من تشكيلية ومعمارية.
حضر افتتاح المهرجان عبدالله محمد العويس رئيس دائرة الثقافة والإعلام، ومحمد عبيد الزعابي رئيس دائرة التشريفات والضيافة، ومنال عطايا مدير عام إدارة متاحف الشارقة، وعدد من سفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي، وممثلي الدول المشاركة في المهرجان.
تجول الشيخ سالم بن عبدالرحمن في أرجاء المعرض متفقداً الأعمال المعروضة فيه، ومستمعاً لشرح مفصل حولها من منفذيها، ومبدياً إعجابه بالمستوى الذي ظهرت به تلك الأعمال المشاركة.
وقالت فرح قاسم محمد مسؤولة المهرجان: «تأتي هذه الدورة لتشكل نقلة وإضافة نوعية إلى الساحة الفنية والتشكيلية على أرض الإمارات، ولتواصل إضاءتها على القيم المختلفة للفنون الإسلامية، والحفاظ على حيوية هذه الفنون وسبل تأصلها، والتركيز على أبعادها الثقافية، لتحافظ على مكانتها اللائقة ضمن خريطة النشاط الحضاري الإنساني، فضلاً عن تعزيز دورها الفني والفكري».
وأضافت: هذه الدورة التي نستضيف فيها ما يقارب 41 مشروعاً فنياً من جميع أنحاء العالم، تحمل التنوع في طرح المشاريع، وأيضاً في أماكن العرض كمتحف الفنون، وواجهة المجاز، وجزيرة النور، ومسرح المجاز، وقد قدم لهذه الدورة ما يقارب 300 مشروع، قمنا بالبحث فيها والعمل عليها لاختيار أنسب المشاريع التي تتوافق وتقترب من الثيمة المطروحة «بُنيان»، وها هي هذه الأعمال تمثل أمامنا اليوم لنشاهد فيها إبداعات مختلفة ومتنوعة وخلاقة، كل فنان حسب رؤيته واشتغاله والمواد التي يختارها.
وأكدت قاسم أن اختيار ثيمة «بُنيان» في هذه الدورة، يرجع إلى الارتباط الوثيق مع العمارة الإسلامية باعتبارها أحد أهم الرموز التي تشير إلى الفن الإسلامي، بما تحمل من الوحدة الزخرفية، والخط العربي، والشكل والروح الإسلامية، كما أن العمارة الإسلامية تشكل مادة ثرية بين أيدي الفنانين لمحاكاتها بصرياً، والبحث من خلالها في مفاهيم مختلفة من قبيل الإبداع والخلق بكل ما فيها من بناء وابتكار، عن طريق تأثير الحدس وما يلتقط من أفكار، وإلحاح الخيال وما يذهب إليه من دراما، في حضرة الإدراك والعقل، وهذا المنجز الإبداعي، سواء كان معمارياً بحد ذاته، أو نوعاً فنياً آخر، فإن محفزه هو البنيان الشاخص في أماكن لا حصر لها، الذي أثرت فيه الحضارة الإسلامية بكل ما يعتري فنونها من أفكار جمالية، وجل ما نصبو إليه عبر هذه الثيمة هو طرح الأسئلة الضرورية: كيف ينظر الفنان المعاصر إلى هذه البنى المعمارية، ويحللها، ويكتشف عناصرها؟ إلام يقاربها؟ هل يعيد صياغة مكوناتها من جديد؟ أم يرى في بنيانها سبيلاً لمنظومة بصرية جديدة ومعاصرة؟
وتابعت: إن ما نتوجه إليه في الدورة الحالية من خلال ثيمة «بُنيان»، فمرده إلى ما هو أعمق من فكرة البناء، للتوصل إلى كيان مرئي وملموس، أي نحو محاكاة المتواري في حالة هذا البناء الذي يرسخ فكرة أي «بُنيان»، والذي ندركه من خلال قيمة المبتكر كإنجاز وصيرورة، ومفهوم البناء بما فيه من منظومات يخضع لها كل وجود كوني، يشكل محوراً جاذباً للخوض فيه، كما يدفعنا للكشف عن خفايا البنيان كمفهوم، والذي يلازم أي كيان أوجده البشر، ومن خلال هذه الدورة للمهرجان نتحدث بصرياً عن حالة الإبداع هذه التي ندركها أينما التفتنا، ونخوض في فكرة البُنيان، إنما من بوابة الفن المعاصر ومعاينته للفنون الإسلامية، ومكوناتها بكل أنواعها وأطيافها الفنية.
تنوعت الأعمال المشاركة في المعرض ما بين الرسم والتصوير والنحت والأعمال الهندسية، استخدم مبدعوها مختلف مواد الطبيعة لإنتاجها كالورق والألوان والأقمشة والحجارة والزجاج والرمال والأخشاب والبلاستيك والألوان الزيتية والأكريليكية، لتشكل هذه الأعمال بمجملها الثيمة التي يقوم عليها المهرجان، فنجد الاشتغالات التي عمل عليها كل فنان ليقدم تصوراته عن البناء كوحدة فنية بشكل عام، والبناء الإسلامي بخصوصياته ومفرداته الإنسانية، بشكل خاص.
كما نجد جملة الاشتغالات البصرية المقدمة في هذا المهرجان، تقتبس من جميع أنواع الفن ومدارسه المختلفة، تقليدية ومعاصرة، تستخدمها بشكل صرف تارة وتدمج بينها تارة أخرى، فتظهر فنون الفيديو آرت والتركيب في الفراغ، إلى جانب الخط التقليدي واللوحة المسندية والبناء الجيومتري والهندسي وغيرها.
كما أن القيم الجمالية التي تمثلها أعمال الفنانين لا تقف عند حدود تأصيل الفن الموروث، بل إلى إعادة صياغته بلغة تشكيلية معاصرة، عبر المهارة في تبسيط الأشكال وتوظيف الرمز لأكثر من معنى وفقاً لموقعه في سياق الموضوع، ليجمع بين الواقع والخيال ويزود العين بالمتعة البصرية والعقل بالثقافة الفنية.
فنجد استخداماً للوحدات التراثية وصياغتها في حوار تقني يضيف إليها رؤية جديدة، عبر توظيف الوسائط المتعددة والتقنيات الرقمية لإنشاء وتطوير فن إسلامي رقمي. كما يقوم فنانون آخرون بتطبيق عمليات تجريبية إبداعية على الأشكال والرموز الإسلامية، ما يقودهم إلى طرق جديدة للتعبير والتواصل في الموضوعات النظرية والمفاهيمية المحيطة بالثقافة والهوية، كما هو الحال مع شكل «القبة» التي استخدمها أكثر من فنان، باعتبارها عنصراً بصرياً راسخاً في الحضارة والفنون الإسلامية، التي تكشف عن دلالات رمزية حسية وفكرية.