عرار:

تعكس المقالات التي ضمنها الباحث عبد المجيد جرادات كتابه « إطلالات من شرفة الحذر» الصادر حديثاً عن دار الكتاب الثقافي في إربد، متغيرات يستند إليها في قراءته للمحاور التي خاض غمارها وهو يحلل ويناقش ويستدرج الأجوبة العالقة في الحراك الزمني للقضايا الملحّة على الذهنية العربية، في لغة تستأثر المخزون المعرفي كمحطة قابلة للتأويل والوسطية في التعامل مع الأفكار المطروحة.

تبلورت فكرة هذه الإطلالات من منظورين، هما: إن العالم يشهد تحولات ومتغيرات متسارعة ومربكة أثرت في مجملها على شروط الوجود الإنساني، بعد أن سادت نظم العولمة واتسعت الفجوة الاقتصادية بين الشعوب والجماعات منذ مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي، وبدأت الدول التي تمتلك الثقافة العلمية والتكنولوجية، تغزو العالم بقوتها وتفوقها، فيما يتم توظيف أهم جوانب التقدم العلمي والتكنولوجي بأسلوب يسعى لإحكام السيطرة على مصادر الدخل القومي في الدول النامية وجميع وسائل القوة فيها.

ويرى الباحث في كتابه الواقع في 128 صفحة من القطع الوسط، وحمل في أبوابه الثمانية علامات استهدافية لمجمل ما يُؤسِس للثبات، والقدرة على صيانة المفردة الفكرية، والهوية الجامعة، بأن هنالك مقومات ومعطيات في دروب الحياة، وبين هذه وتلك تكمن في الكثير من الأوقات بعض المحددات، الأمر الذي يدفع المرء للبحث عن المعرفة التي تعينه على التدبر وحسن التبصّر، وفي هذا الاتجاه كما يشير تبرز الحكمة أثناء تمحيص الحقائق انطلاقا من الفرضية التي تحث على الإفادة من أخطاء وتجارب الماضي، وقراءة الحاضر، ثم استشراف المستقبل، وبمنهجية تقلل من عوامل التآكل الذي يتعارض مع متطلبات الإصلاح ومقومات النهوض.

ويؤكد بأنه في ظل حالة التداخل» غير المنضبط» بأكثر من ميدان، ولأن بعض المؤسسات المرموقة تتخلى عن دورها في دعم الثقافة، فهنالك خشية من أن يصبح حملة الأقلام وأهل الفكر في العالم العربي « محل استدراج» من قبل الجهات التي عرفنا أنها تسببت بالكثير من المنغصات على حساب متطلبات الرقي الاقتصادي والتماسك الاجتماعي.

ويعتبر أن من بين التحديات المستقبلية أمام صناع السياسة وحملة الأقلام أن الصراع الدائر في أكثر من دولة عربية، أدى لتفريخ حركات إرهابية، الأمر الذي يحتاج لجهود غير مسبوقة من قبل العلماء وأهل الفكر من أبناء العروبة في دحض الشبهات التي يعتقد» الرأي العام العالمي» أنها تنبت في تربة العالم الإسلامي، مع أن حقيقة الأمر، أنها جاءت ضمن سياسات ومخططات الدول العظمى التي تحرص على مستقبل مصالحها التجارية خارج حدودها.

ومن أبرز القضايا التي أخضعها الباحث للتحليل والدراسة المستفيضة، للإجابة عن الأسئلة الكامنة، من مثل: كيف يسير الحوار في الوطن العربي، وهل يخلو واقع التعليم بكل مراحله من أسباب الشعور بالحذر، وماذا عن الخطط الوطنية لرعاية الإبداعات الشبابية، وأين تقف الثقافة والإعلام في أوج مسلسلات التحديات المعاصرة والمستقبلية، ناقش الباحث: الحوار الحضاري والإنتاج الفكري، المناهج التعليمية والتطور التكنولوجي، مقومات الإبداع ومصادر المعرفة، الثقافة والفكر التنموي، الأهمية الاقتصادية للوطن العربي، اللغة العربية والهوية، الشباب بين منظومة القيم وأدوات التنمية، ودوافع السياسة ومظاهر الصراع.

وخلص الباحث جرادات في نهاية الكتاب إلى جملة من الاستنتاجات أهمها: أن طابع الصراعات كان سبباً بعدم تحقيق عوامل الاستقرار على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، وفي أجواء النزاهة، تضعف احتمالات إيمان الأفراد بسمو» مواقفهم» ضد أبناء بيئتهم، حيث يتراجع شعور البعض بامتلاكه « الأحقية» رغم وجود من هو أولى منه بذلك، مشيرا إلى أن من إيجابيات الحوار، أنه يزيل الغموض ويقوي عناصر الثقافة المجتمعية، إضافة إلى أن التفكير اللغوي وتحديد الهدف المنشود يشكلان أمرين أساسيين في إدامة سبل التواصل الاجتماعي الذي تتجلى فيه عناصر الإقناع.

يشار أن هذا الكتاب هو السادس في مدونة الباحث الإبداعية، حيث صدر له قبل ذلك الكتب التالية: « مرتكزات وأفكار، الإرادة ومعايير القوة، ملامح التحدي وأدوات التنمية، ثقافة المعرفة والتفكير الاستراتيجي، والعرب وفضاءات الأمة».