فجعت الساحتان؛ الإعلامية والأدبية، أول من أمس، برحيل الزميل الصحفي والقاص خليل قنديل، وهو الذي تواصل إبداعه لأكثر من أربعة عقود. وكان قنديل، الذي رحل بعد معاناة طويلة مع المرض، يتقن فن الحكي، ويمتلك عينا لاقطة سجل من خلالها صور المحيط، ليستطيع بلغته الرشيقة والبسيطة في آن، الغوص في تفاصيل الأشياء والأشخاص. القاص الذي رحل عن عمر ناهز 65 عاما، كان ولد في إربد، العام 1951، وأنهى الثانوية العامة فيها، قبل أن يتوجه إلى الإمارات العربية، ويمتهن العمل الإعلامي هناك، فعمل سكرتيرا لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، ومحررا ثقافيا في صحيفة "الخليج". عاد إلى الأردن مرة أخرى، وعمل في صحيفة" العرب اليوم"، ومراسلا من عمّان لصحيفة "الخليج" الإماراتية، ثم رئيسا للقسم الثقافي في صحيفة "الدستور"، وكتب زاوية ثابتة فيها منذ 2009. والراحل عضو في رابطة الكتّاب الأردنيين، وشغل عضوية هيئتها الإدارية لدورتين. كما أنه عضو في نقابة الصحفيّين الأردنيّين. أصدر خليل قنديل خلال مشواره الإبداعي العديد من المجموعات القصصية، بدأها في العام 1980 بمجموعة "وشم الحذاء الثقيل"، ثم "الصمت"، "حالات النهار"، "عين تموز"، "الأعمال القصصية"، و"سيدة الأعشاب". ونعى وزير الثقافة نبيه شقم الراحل، معبرا عن خسارة الوسط الثقافي لقنديل الذي كان على تماس دائم مع وزارة الثقافة، مثلما أسهم في إثراء مكتبتها بالعديد من المؤلفات الأدبية، خصوصاً، وقد كان من أوائل الفائزين بمشروع التفرغ الإبداعي، أحد المشاريع المهمة في وزارة الثقافة من خلال مجموعته القصصية "سيدة الأعشاب". وقال شقم في بيان صحفي، إن الوزارة إذ تفتقده اليوم فإنها تشارك أهله وعائلته أحزانهم وتقدم لهم ولرابطة الكتاب خالص العزاء، وتقدر عاليا أن الراحل هو من جيل اخلص لفن القصة، وعالج كثيرا من القضايا والهموم الميثولوجية الشعبية في بلاد الشام وعموم المنطقة العربية، فضلاً عن كونه أحد الأقلام الإعلامية المهمة في صحيفة الدستور من خلال مقالته التي ظلت تحمل صفاته الأدبية والقصصية. ويعد الراحل خليل قنديل قاصا مخلصا لفن القصة، إذ أنه لم يلجأ إلى كتابة أي نوع أدبي آخر، ما عدا المقالة التي عدها على الكتابة الإعلامية وليست الإبداعية. وتميزت تجربة خليل قنديل القصصية التي تمتد من السبعينيات بقدرته على التقاط الغرائبي عبر توظيف الخرافة والاسطورة والحلم في سرد واقعي يمتزج بسريالية تسترعي التشويق لدى المتلقي. بهذه الرؤية أسس قنديل المشهد القصصي محافظا على هذه الخصوصية والاختلاف عن الآخرين. كما يقف المتابع لسرد خليل قنديل عند قدرته على الغوص في العالم السفلي أو الباطن في حياة البشر المنتمين عادة لشريحة الفقراء والمهمشين، ليصل عبر صدق وعمق وبساطة تلك العوالم إلى منطقة يستطيع فيها الكشف والنبش في منطقة الألم الانساني وتحليلها ليخترق الاجتماعي والمسكوت عنه. الناقد فخري صالح يصف أسلوب قصص الراحل بالقول "تغلب على قصص خليل قنديل الواقعية الخشنة والوصف التفصيلي الدقيق لمشاعر شخصياتها ومونولوجاتها، كما إن القاص، في سياقات أخرى، يعيد سرد الحادثة الواقعية في إطار العجيب والغريب والسوريالي والاقتراب من روح الطبيعة العاصفة المدمرة، ما يذكر بالقصة والرواية القوطيتين ممثلتين بكتابات أبي القصة الأميركية، وربما في العالم كلّه، إدغار ألن بو". ويضيف فخري صالح "على مسارين؛ الواقعية الخشنة والفانتازيا الواقعية، يمكن توزيع قصص خليل قنديل، بدءا من مجموعته الأولى "وشم الحذاء الثقيل"، التي كتبت قصصها خلال فترة السبيعنيات من القرن الماضي، وصولا الى مجموعته "عين تموز" التي نشرها العام 2002". ويبين أنه "يمكن أن نقرأ حركة قصص خليل قنديل، وتطور عوالمها في قصص المجموعة الرابعة حيث يبدو القاص، الذي ينتمي إلى جيل السبيعنيات عمراً ورؤية قصصية، وكأنه يقوم في "عين تموز" بتلخيص عوالمه السابقة وتكثيفها". ويعبر قنديل في حواراته عن خشيته من أن الأدب يذهب إلى الأمية الأولى كنوع من الاحتماء من سطوة الصورة، كاشفا عن حاجة الكتابة، في هذا العصر للذهاب إلى أماكن أبعد من أن تصطادها الكاميرا. ويضيف "ما من كتابة إبداعية يمكن أن تتشكل حبرا بالشكل المدهش من دون أن تكون ابنة واقعها، فنحن ككتاب لا نستل خامتنا الإبداعية من خارج هذا الكوكب، ننتمي لهذه الأرض وما تفرزه من واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي أيضا، ونبقى أسرى الضربات الموجعة لهذه الإفرازات". وفي ندوة أقامتها جمعية النقاد الأردنيين قبل عقد تقريبا، حول "عين تموز"، أكد فخري صالح أن قنديل يشتغل في قصصه على مادة الحياة اليومية، أي على التفاصيل الصغيرة والمنمنمات والحواف الحادة في حياة الجموع الشعبية والافراد الساعين لكسب العيش في الاسواق والشوارع، وهو يعتمد في عمله القصصي على الملاحظة الدقيقة لحركة هؤلاء الافراد وتلك الجموع التي تحضر بحيوية لافتة كاشفة عن الآلام العظيمة لرجال صغار ونساء صغيرات يحتشدون في المساحة الضيفة لقصص خليل قنديل.