|
عرار:
تحلّ في التاسع من أغسطس، ذكرى وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، الذي امتزج شعره بحب الوطن والحبيبة الأنثى بذائقة فريدة، ليطلق العنان لكلماته في قصيدته "درس من كاما سوطرا"، ويقول: "على بركة الماء حول المساء وزَهْر الكُولُونيا.. انتظرها، بصبر الحصان المُعَدِّ لمُنْحَدرات الجبالِ.. انتظرها، بذَوْقِ الأمير الرفيع البديع.. انتظرها، بسبعِ وسائدَ مَحْشُوَّةٍ بالسحابِ الخفيفِ.. انتظرها". ويصف بإحساس رفيع مليء بالعاطفة الحبّ، ويحنو على وطنه بالتعبير عن حبه له وتمسكه به، ويحذّر من خلاله المحتلّ، قائلاً: "حذار حذار من جوعي ومن غضبي"، فهو شاعر القضية الفلسطينية الذي ارتبط اسمه بشعر الثورة والوطن، وعُدّ من أبرز من أسهم بتطوير الشعر العربي الحديث، وإدخال الرمزية فيه. ويصدح في شعره قائلاً: "سجّل أنا عربي.." ليسطّر بحروفه صدق انتمائه، ويؤكد أنه سيبقى حُرّاً وحيّاً؛ بحبه لوطنه، وبعدم تنازله عن قضيته، وبرفضه لاحتلال أرضه، وظلم وتهجير شعبه. درويش كتب وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني، وقرأها الرئيس الراحل ياسر عرفات في الجزائر، بتاريخ 15 نوفمبر 1988، ونصّت الوثيقة على تحقيق استقلال دولة فلسطين على أرض فلسطين، وتحديد القدس عاصمة أبدية لها، والذي أكد من خلال كتاباته أنه "لا ماضي للقلب إلا على أسوار القدس، ولا طريق إلى الغد إلا عبر أزقتها الضيقة، ولا أفق للسلام على أرض الفداء والسلام إلا بإنجاز مشروع الحرية". - حياته كان درويش عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وله دواوين شعرية مليئة بالمضامين الحداثية. ولد عام 1941 في قرية البروة، وهي قرية فلسطينية تقع في الجليل قرب ساحل عكا، حيث كانت أسرته تملك أرضاً هناك، وخرجت أسرته برفقة اللاجئين الفلسطينيين في عام 1948 إلى لبنان، وعادت متسللة عام 1949 بعد توقيع اتفاقيات الهدنة، لتجد القرية مهدمة، وقد أقيمت على أراضيها قرية زراعية إسرائيلية، فعاش مع عائلته في قرية الجديدة. بعد إنهائه تعليمه الثانوي في مدرسة يني الثانوية في كفرياسيف، انتسب إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وعمل في صحافة الحزب مثل الاتحاد والجديد، وأصبح بعدها مشرفاً على تحريرها، كما اشترك في تحرير صحيفة الفجر. اكتشاف موهبته وعلاقاته أسهم في إطلاقه واكتشافه الشاعر والفيلسوف اللبناني روبير غانم، عندما بدأ هذا الأخير ينشر قصائد لمحمود درويش على صفحات الملحق الثقافي لجريدة الأنوار التي كان يرأس تحريرها. وكان درويش يرتبط بعلاقات صداقة بالعديد من الشعراء؛ منهم محمد الفيتوري من السودان، ونزار قباني من سوريا، وفالح الحجية من العراق، ورعد بندر من العراق، وغيرهم من أفذاذ الأدب في الشرق الأوسط. وكان له نشاط أدبي ملموس على الساحة الأردنية، فقد كان من أعضاء الشرف في نادي أسرة القلم الثقافي، مع عدد من المثقفين أمثال مقبل مومني، وسميح الشريف، وغيرهم. - الدراسة والعمل اعتقل درويش من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي مراراً، بدءاً من العام 1961؛ بتهم تتعلق بتصريحاته ونشاطه السياسي، وحتى عام 1972، حيث توجه للاتحاد السوفييتي للدراسة، وانتقل بعدها لاجئاً إلى القاهرة. وفي ذات العام التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم لبنان، وعمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، واستقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؛ احتجاجاً على اتفاقية أوسلو. وفي الفترة الممتدة من عام 1973 إلى عام 1982 عاش في بيروت، وعمل رئيساً لتحرير مجلة شؤون فلسطينية، وأصبح مديراً لمركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية، قبل أن يؤسس مجلة الكرمل سنة 1981. وفي عام 1977 بيع من دواوينه العربية أكثر من مليون نسخة، لكن الحرب الأهلية اللبنانية كانت مندلعة بين سنة 1975 وسنة 1991، فترك بيروت سنة 1982، بعد أن غزا الجيش الإسرائيلي بقيادة أرئيل شارون لبنان، وحاصر العاصمة بيروت لشهرين، وطرد منظمة التحرير الفلسطينية منها. أصبح درويش "منفياً تائهاً"، متنقلاً بين سوريا، وقبرص، والقاهرة، وتونس، إلى باريس. شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وكانت إقامته في باريس قبل عودته إلى وطنه، إذ دخل إلى فلسطين بتصريح لزيارة أمه، وفي فترة وجوده هناك قدم بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحاً بالسماح له بالبقاء، ووافقوا عليه. - مؤلفاته كانت أول قصائد محمود درويش عندما كان طالباً في المدرسة الابتدائية، ومن أبرز قصائده: سجّل أنا عربي، ووطني ليس حقيبة وأنا لست مسافراً، ولا تعتذر عما فعلت، وصدر له مؤخراً كتاب يجمع بين الشعر والنثر عنوانه أثر الفراشة، وأصدر دواوينه الشعرية ابتداء من عام 1960. - وفاته توفي درويش في أمريكا 9 أغسطس 2008، بعد إجرائه عملية القلب المفتوح في مركز تكساس الطبي في هيوستن، تكساس. وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الحداد 3 أيام في الأراضي الفلسطينية حزناً على وفاة الشاعر الفلسطيني، واصفاً درويش بـ "عاشق فلسطين"، و"رائد المشروع الثقافي الحديث، والقائد الوطني اللامع والمعطاء". ودفن في مدينة رام الله، حيث خصصت له هناك قطعة أرض في قصر رام الله الثقافي، وسمّي بعدها باسم "قصر محمود درويش للثقافة"، وشارك في جنازته آلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، وحضر الجنازة أهله من أراضي 48. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 11-08-2017 10:20 مساء
الزوار: 2010 التعليقات: 0
|