ملتقى السلط الثقافي الرابع يوصي بتوثيق المدينة إبداعياً
عرار:
السلط - إبراهيم السواعير
«لو أنّ نجيب محفوظ عاش في البلقاء لبادر بالكتابة عن أدراج الجدعة بالسلط»
تلك كانت إحدى فضفضات»مخرجات» ملتقى السلط الثقافي الرابع الذي أقامته مديرية ثقافة البلقاء وشارك فيه عدد من المبدعين في الشعر والسرد، خصوصاً وأنّ أعمال الملتقى انتظمت خلال ثلاثة أيّام في مركز جلعد الثقافي المطلّ على أم انجاصة وأم سنديانة وكلّ هاتيك الأرض الخصيبة بموحيات الإبداع، لذلك كانت كلّ ساعات الملتقى تُستثمر لفضفضات وتطلعات وهموم ثقافيّة، مثلما كان» المكان» متوهّجاً وهو يلقي بظلاله التاريخية ويستعيد أعلام السلط ومدرستها الثانوية التي خرّجتْ كبار الشعراء والشخصيات والرجالات في شتى صنوف الإبداع، فضلاً عن المجالات الأخرى في العلم والمعرفة والثقافة.
هل صحيح أنّ السلط لم تكتب عنها رواية؛ تحمل أدراجها وسلالمها ومغاريبها وأحياءها، بل تحمل موروثها الديني وظلال النبي شعيب وقداسة المكان، كان هذا السؤال وما يتفرع عنه مثار نقاش تشاركيّ نحو كتابة نصوص دراميّة مسرحية وسينمائيّة وربّما بحثيّة تراثيّة لمنطقة خصيبة بالموحيات والمستفزّات لفنون الإبداع وأجناسه مثل منطقة البلقاء التي ما تزال تشتمل على ما لم يقرأ بعد.
وإذا كانت الملتقيات على وجه العموم يلقي فيها شعراء وناثرون نتاجاتهم لينفضّ المولد فيعود كلٌّ منهم أدراجه وقد نسي حتى أسماء من تشارك معهم قبل ساعاتٍ بالإبداع،.. إلا أنّ هذا الملتقى لم يتحدد بالقراءات الأدبيّة، بل كان ممنهجاً في مناقشة قضايا ربّما لا تستطيعها ملتقيات تطوى أوراقها قبل أن تبدأ، فأن يناقش المشاركون سبل إيصال الثقافة للمجتمع مع الاحتفاظ بخصوصية المبدع وعالمه المستقل أمرٌ طيّب، وأن يتحدثوا حتى على طعامهم بأهميّة وجود استراتيجيّة ثقافيّة وطنيّة تتحوّل الإبداعات فيها إلى سلوك، هو هدف بعيد تشتغل عليه دول ومؤسسات، وأن يطرحوا مواضيع في فقه اللغة وأصول السرد والشعر والآفاق المصاحبة ومدى تعالق النص الإبداعي بالديني وذهنية المتلقي والقانون.. كلّ ذلك أمرٌ طيّب يمكن تضمينه في كتاب أوصى به المشاركون الذين وجدوا أنّهم استثمروا كلّ دقيقة لديهم في النقد والإبداع ومعاينة المكان والكتابة عنه أو عتابه بين الأمس واليوم.
وإذا كان مدير مديرية ثقافة البلقاء خليل نصيرات هو مسرحي فإنّ ثمّة اشتغالات وتواصلاً قويّاً بالتأكيد سيكون مع الهيئات الثقافية في السلط وجوارها، لكي لا نظلّ نردد ثنائيّة «العاصمة والأطراف»، إذ يمكن أن تتواضع الهيئات بالتنسيق مع المديرية على الفرح بالسلط وجوارها إبداعيّاً أو فنيّاً أو تراثيّاً أو على مستوى الاستفادة من وثائق المدينة ومحيطها لتكون أرضاً طيّبةً يستفيد منها المبدعون.
ولربما قال قائل إنّ هذا الملتقى شبيه بملتقيات أو بمخيّمات إبداعيّة سابقة مكرورة، غير أنّ همّة المشاركين- وجلّهم من منطقة البلقاء- كانت تظهر صدق النوايا في إفادة المنطقة بالتواصل مع العاصمة وترسيخ الفعل الثقافي بعيداً عن الشكلانيّة إلى الانتصار للثقافة وإدراك تأثيرها على المجتمع وتكريسها لقيم الجمال والإنسانيّة وما تحمله الثقافة من قيم ومنطلقات إنسانيّة تؤثر في الناس.
وكما يرى مدير الثقافة نصيرات فإن الهدف الأساسي من هذه التظاهرات، بعيداً عن أهمية الملتقيات الثقافية المعروفة في تعزيز الحركة الثقافية وتفعيل الحراك الإبداعي برؤى وتجارب جديدة، يتمثل في التعبئة الثقافية والوصول إلى الجمهور العادي وتطوير حسه الجمالي والفكري، ليكون الطموح ما نطمح هو فائدة هذه الملتقيات حتى لو كانت في حدها الأدنى، بتهذيب الحياة وتجميلها وتطويرها، على أمل أن تكون فعالياتنا إضافة فاعلة للحركة الثقافية، فلا نجعل من نشاطاتنا نسخاً متكررة من فعاليات أخرى وألا تكون مجرد احتفائيات وتنتهي بمجرد انتهاء أيام الملتقى.
وتحمل رؤية نصيرات بعداً استراتيجياً بعيداً عن التنظير باتجاه التطبيق، في تركيزه على تفعيل دور الملتقيات في الحركة الثقافية في أن تكون ذات بعد استراتيجي بمعنى أن تُرَاكِمُ فعلا حراكياً، فلا تأتي منقطعة عما سبقها وما يليها، من أجل الاستمرارية في الأهداف المعرفية.
ومن المهم أيضا أن تعكس هذه الملتقيات التي تنظمها مديريات الثقافة في المحافظات ثقافة المكان بكل عناصره الحية والجمالية، كما يقول نصيرات، على اعتبار أن وراء كل ذلك معرفة أدبية أو ثقافية ورؤية إنسانية ذات طابع مكان، لذلك يعرب نصيرات في حديث لـ»الرأي» عن تفاؤله بالكثير من الإيجابيات التي تصنعها النشاطات الثقافية في إيجاد حالة الحوار والجدل وكسر الحواجز بين المثقف والمتلقي وجعل المبدعين على تماس مباشر مع طاقات نقدية وأسماء لها إسهامات حاضرة وقوية في المشهد المحلي والعربي. كما يؤكّد أنّ مديرية ثقافة البلقاء تسعى إلى تقديم تنوع في النشاطات بما يخدم التعدد والشفافية والعملية الثقافية واستقطاب الفاعلين دون الانحياز إلى المجاملة أوتكريس شخصيات أو أسماء معينة.. نحو هدف إغناء المشهد الثقافي في المحافظة وإبراز الإبداع أينما وجد وترويج الثقافة والتراث لهذا المكان العريق، معرباً عن تقديره للمشاركين: الشاعر الناقد د. راشد عيسى، والأديب الناقد محمد سلام جميعان، والشاعر رئيس رابطة الكتاب الأردنيين فرع السلط د.حارث أبو سليم، والشاعر عيد النسور، والشاعر مهند العزب، والقاصة جميلة عمايرة، والقاص سمير الشريف، والشاعر قصي النسور، والشاعر كايد العواملة، والشاعرة كوثر الزعبي، والإعلامية ماجدة الألفي، والقاص مخلد بركات.