موضوع المخيم من الموضوعات المهمة التي تتمحور حولها القصة القصيرة التي ينهض بها محمد عارف مشة، مع أن الموضوع يلائم الرواية أكثر من ملاءمته للقصة القصيرة؛ لأن المخيم يشكل مجتمعًا واسعًا يتماثل مع بنية الرواية التي تتسع لتصوير قطاع واسع من الحياة، بخلاف القصة القصيرة التي تنحصر في تقديم شريحة من الحياة: حالة، أو موقف، أو شخصية محددة. هكذا نجد تجربة المخيم متجسدة في مجموعات مشة القصصية: «حبك قدري» 1983، و»همسة في زمن الضجيج» 1989، و»الولد الذي غاب» 1995، و»السلطان قطز» 2002، و»بائعة الكبريت» 2006 و»شبابيك» 2016، فضلًا عن المجموعة الأخيرة «عصافير المساء تأتي سرًا»* التي نعاين فيها هنا هذه التجربة.
ترد مفردة المخيم في عنوانين من قصص المجموعة: «ذاكرة المخيم»، و»على باب المخيم». في القصة الأولى «ذاكرة المخيم» يقدم محمد عارف مشة صورة سلبية عن الطفل الفلسطيني فيما يتصل بمعلوماته عن وطنه، فيقدمه أمام معلمه فقيرًا في هذه المعلومات. ويبلغ غضب المعلم واستياؤه درجة كبيرة عندما يسأل عمن احتل فلسطين وشرد أهلها، فيجيبه أحد الطلبة بأن الفلسطينيين هم من احتلوا أرض إسرائيل، وقد شردوا الشعب اليهودي، وقاموا بقتل الأطفال والنساء.
لا شك أن هذه القصة تنتقد الواقع الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية في وجود من يتبنى الرواية الإسرائيلية بأن فلسطين لإسرائيل وأن الفلسطينيين هم المعتدون. ويأتي موت المعلم من القهر بين مقاعد الصف احتجاجًا قويًّا على ذلك. وإن كنت أرى لا ضرورة لظهور الجدة في نهاية القصة، كي تحكي لنا ما حدث للمعلم.
أما القصة الثانية « على باب المخيم» فتتحدث عن تجمع شباب المخيم عام 1967 أمام مركز الأمن مطالبين بالسلاح، من أجل الدفاع عن الوطن. كما تصور جموع الناس وهم يلوحون مرحبين بالدبابات التي تخترق الشارع الرئيسي في المخيم ظانين بأنها دبابات عربية، وسط حلم العودة إلى حيفا ويافا، والحماس الذي كان يبعثه صوت أحمد سعيد من إذاعة صوت العرب، وهو يعلق على تساقط الطائرات الإسرائيلية كالذباب. ثم تتكشف الحقيقة، ويـأتي احتراق الطائرة الورقية التي كان يسيرها الطفل أحمد في سماء المخيم إشارة رمزية موفقة إلى الهزيمة وانسداد الأفق. 
كما ترد مفردة المخيم في متون كثير من القصص؛ ففي قصة «سيل الزرقاء « تبدأ القصة بجملة فيها مفردة المخيم: « كنا أطفالًا ثلاثة نسكن في المخيم « والقصة تنبني على مفارقة تظهر بؤس سكان المخيم، وتعاسة أطفاله. ففي مياه سيل الزرقاء الذي يخترق المخيم كان يعيش بعض السمك. وكان الأطفال يجدون في السيل مكانًا للعب والتنزه. والمفارقة أن أحمد أحد أطفال المخيم، وهو يحاول صيد السمك، يقفز في التنكة التي أعدها لذلك ما ظنه سمكة. ويحمل التنكة إلى البيت، ويفاجأ أن ما صاده كان ضفدعة وليس سمكة.
في القصة الأخيرة « عصافير المساء تأتي سرًا « التي جاء عنوانها عنوانًا للمجموعة أيضًا يرد ذكر المخيم في مقدمتها:» بين الأزقة في المخيم والشوارع الترابية عشق للوجع» (ص92) إنها قصة أشبه بلوحة سريالية، تستفيد من الفن السينمائي بتقديم المشهد، واستخدام القطع واللقطات المنفردة، لتعبر عن البؤس، والكآبة، وفقدان الأمل، فليس غير الهموم والأحزان التي ترمز إليها القصة بعصافير المساء.
ويرد عنوان «عصافير المساء تأتي سرًا» في بداية قصة «وجع» مع استبدال كلمة «سرًا» بـكلمة «متأخرة» ولكنه يرد في نهاية القصة كاملًا دون تغيير. وهي كما القصة السابقة وكما يعبر عنوانها «وجع» تعبر عن الهموم التي تغرق فيها الشخصية، وهي هموم تنبني على مفارقة واضحة، فأبو صقر الذي تتكالب عليه الهموم والأحزان يتذكر زوجته بقوة، ويطلب منها أن تتنبه إلى نار نارجيلته المطفأة: « النار يا أم صقر..أم صقر؟؟ ثم ينفجر ضاحكًا أم صقر ماتت من زمان» (ص 29)      
ومثل هذه المفارقة نجدها في نهاية قصة «النظارة السوداء». فالشباب في المقهى يخشون ذلك الرجل صاحب النظارة السوداء من أن يكون مخبرًا. ولكنهم يدركون عندما يصطدم به أحدهم، ويقع عكازه من يده أنه خوف لا مسوغ له؛ إذ يتكشف لهم بأن الرجل أعمى. 
وترد مفردة المخيم في القصة المعنونة بــ»قصة رديئة» فعندما تسأل السكرتيرة بطل القصة عن اسمه ومكان سكنه يجيبها بأنه في المخيم واسمه مسعود البغل. في القصة تصوير واقعي للشقاء الذي ترزح تحته الشخصية. وهي الشخصية نفسها التي تظهر في قصتين أخريين: «مشهد قصير جدًا» و «مسعود البغل» وكأن القصص الثلاث تشكل قصة واحدة؛ ففي قصة «مشهد قصير جدًا» تظهر شخصية البغل حمالًا ينوء ظهره بثقل السلة التي يحملها، ويسقط على الأرض دون أن يهتم به أحد حتى تلك المرأة صاحبة السلة. وفي قصة «مسعود البغل» يستيقظ مسعود هذا من نومه، فتحضر له زوجته صفية طعام الإفطار، ثم بعد أن ينتهي من تناول الطعام يحمل سلة العتالة ويربطها بكتفيه، ويهم بالخروج. تقول له زوجته بالباب، وهي تشيعه:» الله معك، بحبك يا بغل»(ص39). وواضح هنا تأثير الأغنية الشعبية المعروفة «بحبك يا حمار». 
وإذا كانت مفردة المخيم تظهر مباشرة في عناوين بعض القصص ومتونها؛ لتجسيد تجربة المخيم فإن هذه التجربة تتجسد حيًا في القصص الأخرى من خلال تقديم الأحداث والأمكنة والشخصيات، التي لا يمكن أن نتعرف إليها إلا في المخيم.  ففي قصة «طوبى لك يا عمان» التي تبدو امتدادًا لقصة «على باب المخيم» السابقة تصوير للقتل والدمار الذي لحق بأبناء المخيم وهم في الملجأ الأرضي الذي التجأوا إليه في الحرب العربية الإسرائيلية عام 67، ثم هربهم إلى عمان والطائرات تلاحقهم بقنابل النابالم. وتنتهي القصة بعبارات حماسية بلسان الكاتب تكرر ما جاء بالعنوان: « طوبى لك يا عمان... «(ص35)
وفي قصة «زيت سمك» نتعرف أحلام ذلك الطفل أحمد في أن يكون رجلًا، من خلال انتقاله إلى الصف الثالث الابتدائي، في مدرسة وكالة الغوث للأولاد الكبار. وفي أن يتخلص من شرب حليب الوكالة وزيت السمك الإجباري والوقوف في طابور النساء لتسليم بطاقة المؤن. كما أنه سيمر بحارة أم غصاب دون أن يخاف كلبها، أو ابنها الذي كان يسلبه مصروفه. وتختلط هذه الأحلام باسترجاع ما حدث له في مطعم الوكالة عندما حرمه الموظف من حصته من البيض وزاد حصته من شوربة العدس. إذ يدخل على مدير المطعم ليشكو إليه. ولما حاول طرده من مكتبه هدده بكشف علاقته بأم سعيد ومحاباته لها مما جعله يقدم له حصته من البيض بزيادة ثلاث بيضات كبيرة الحجم. هكذا تغرق القصة في التفاصيل والتمدد، وتنتهي بهرب بطلها من المدرسة، وإلقام المدرس الذي كان يلاحقه بعصاه حجرًا. 
كانت تلك الأجواء التي تحركت فيها تجربة المخيم في مجموعة «عصافير المساء تأتي سرًا». أما الظواهر الفنية التي تضافرت من اجل تقديم هذه التجربة، فمر بنا إفادة المجموعة من الفن السينمائي، والمسرحي، واستخدام المفارقة. بقي أن نشير إلى ظاهرة الاهتمام بالتفاصيل، واستخدام التراث الشعبي، والفانتازيا؛ فالاهتمام بالتفاصيل ظاهرة غالبة على قصص المجموعة، وبخاصة تلك التي تتجلى بتتابع الأفعال السردية؛ مما يقربها من الواقع المباشر. نكتفي بإيراد فقرة من قصة» يوم دراسي» دليلًا على ذلك:» وصل الولد بابًا خشبيًا، دفع الباب، أز الباب، انزلق الولد، وصلت الباب، صرخ الولد مذعورًا، خرج الأب على زعيق ابنه، خرجت الأم، إخوانه، أخواته، قبيلته..»(ص73) أما ظاهرة التراث الشعبي فتبدو في قصة» أبو رجل مسلوخة»، وقصة «لست وحيدًا» ففي القصتين توظف الخرافة كما رسخت في التراث الشعبي عن أبي رجل مسلوخة والغول. أما استخدام الفانتازيا فتجلت في قصة «جدل» التي ينهض فيها البطل من قبره ليدين التعصب الديني، ثم يعود إلى قبره وينام.
نلاحظ فيما سبق أن محمد عارف مشة في مجموعته» عصافير المساء تأتي سرًا» قد أحاط بتجربة المخيم إحاطة واسعة؛ فصور لنا المخيم بما فيه من أماكن: مركز المؤن والمدرسة والشوارع الترابية والمخفر، وما يحيط به من مظاهر طبيعية، وحظي السيل الذي يشق مخيم الزرقاء باهتمام خاص، ربما لأن محمدًا خبره جيدًا. لقد ظهر المخيم نابضًا بالحياة حياة شخصيات هدها البؤس والجوع والفقر والشقاء والتشرد وفوق ذلك القهر، من خلال تقنيات متعددة، منها: استخدام المفارقات الساخرة وبخاصة في نهايات القصص، والإفادة من فن السينما والمسرح والاهتمام بتتابع الأفعال السردية، والبناء الغرائبي وتوظيف التراث الشعبي. لقد بدا مشة في هذه القصص ذا إحساس رهيف بقسوة الواقع، وبحركة الإنسان المرتبكة نحو المستقبل.

* عصافير المساء تأتي سرًا، محمد عارف مشه، عمان: الآن ناشرون وموزعون، 2018، تقع في 96 ص، من القطع المتوسط.