عرار:

العتبة هي النص
الشاعر علاء الياسين انموذجا
من المربك ضمن الاطر العامة للمتصدي في تسليط الضوء على قصيدة في الشعر الشعبي ، ان يسترسل بمحاكاة النص وهو يعلم ما تضمره ذهنية المتسلط الاكاديمي من شروحات تقتضي رمي المنظومة الشعبية برمتها في اقرب سلال التهكم ، ولسنا بصدد القاء الحجه على جدلية النسق الفصيح والمتشابه الشعبي ، فما نحتاجه هنا هو ابراز هوية النص الشعري لدى الشاعر علاء الياسين ، والذي اعطانا الترخيص الامثل في دحض هذا الارباك ، بل المشروعية في اقتفاء اثر المتسلط الجمالي ، وهو يرسم بفرشاته السحريه ثيمة التوحد وانعقاد الشراكة بين الشاعر والمتلقي تحت سقف القصيدة اذ يقول :
( بين العشك والحرب )
ديوان عمري كمل ... ما باقي بس الاسم
لو ورده لو شاجور
العنوان – عتبة النص او المناص – ذلك المفهوم الذي سلط عليه الضوء ، جيرار جانيت في كتابه ( عتبات ) ، وجاك دريدا في كتابه ( التشتيت ) والتي تعد او الدراسات الادبية في تناول العنوان وما له من مفادات خلق الانزياح الاول في مقابلة النص للمتلقي ، ولضرورة فيس بوكية تفرض الاختصار هنا نقول ان عتبة النص تأتي على عدة وجوه ، منها وعلى الايقاع الاعم ، المعلن والمضمر ، وقد استخدم الشاعر علاء الياسين ، العتبة المعلنة ، مقتنيا ثيمة المقابلة ليجعلها تمتد على طول النسق النصي في القصيدة ، المقابلة التي مابين طرفي الواقع الافتراضي والمعيش ( الحب والحرب ) اذ كان عنوان القصيدة ( بين العشك والحرب ) ثم اعطى الشاعر مقترحا لاختيار عنوان بعد اكتمال ديوان العمر في البيت الاول ( ديوان عمري كمل .. ماباقي بس الاسم .. لو ورده لو شاجور ) ، ومفاد الاختيار هو عودة الى عتبة النص – العنوان الرئيسي - ( بين العشك والحرب ) اذ تتقابل الورده مع العشك ، والشاجور مع الحرب ، وهذه عودة بالمعنى الحرفي وامتداد بالمعنى النسقي الذي انسحب من العتبة الى جسد القصيدة ، ثم يقوم الشاعر من خلال تناغم هيمنة فكرة تقابل الضد مع التوالد الصوري في الابيات التاليه ، بتعزيز هذه الثيمة الام فيقول : ( شكد مستحي من الشمس .. كل اصدقاء الضوه .. اعله الظلمه كالو نور ) المواجهه نفسها بين الحب والحرب – الظلام والنور – ومن ثم يعمد الى تشظي العتبه ، فيعتمر في قلبه الامل المشوب باليأس ( الغيم اجه بلا مطر .. يبسنه كتله العطش .. اشر على الناعور ) ليعلن استسلامه المشوب بقوة الاكتشاف ( وتستوجب المرحله .. وطير المحبه اقتنع .. يسكن غصن مكسور ) فيؤمن الجزء الاعز من قلبه المنتمي الى جدلية الخراب ، عندما يقدم اكتشافه الكامل لكل ما يجري ( بين العشك والحرب .. كل الاحداث ادور .. اول خبر بيه امل .. الصحراء بيت العطش .. تستقبل الناعور .. واخر خبر .. بيه حزن .. الحرب خل تستمر .. بس دبرلنه اكبور ) انه يتلاعب بذهن المتلقي عن طريق ايجاد استقراره الصوري وليس عن طريق ارباكه في معاني غامضه ، انه يروي القصة من الخاتمه محتفظا بسحر سلطة الشد والتشويق وانتظار القادم ، بعد ان يزرق الاجوبة التي تتوالد منها الاسئلة وليس العكس ، متسللا الى اقصى الدهشة في قلب المتلقي وهو يستدرجه بتنامي الحدث وصولا الى اشعال فتيل الفضول وهو يخبرنا بما الت اليه العودة من اكتشافاته ( ولمن رجعلي شرجع ؟ .. جايبلي شجرة رسم .. ما تعرف العصفور ) لقد قبض على موطن الوجع بهذه الصورة الموغله في تعافي الفهم الانساني ، والتي تحسب للشاعر اذ لم يتطرق لها اي ضرب من ضروب الادب ، ليتماهى بعدها في شرح ما استرخت به الوان مقاصده في لوحة وجعه ( بروحي الخريف انتجه .. ابابي لو دورت .. تلكه الورق منثور ) ( وصاني لمن مشه .. ينابك حزنك تره .. حط اعله جرحك سور ) لتمطر بعدها تساؤلاته التي ترتقي الى فيوضات كونيه تتملكها الذات الحره
منين انت من يا حزن ؟ من الكصب لمن بجه .. ومن دمعه صار الهور
منين انت من يا ذنب ؟ عاشك سكر بالهوى .. يصلي الصبح مخمور
منين انت من يا جرح ؟ غنه الدعاء الصبح ... من صوته يطلع نور
منين انت من يا ورد ؟ من تراب اخر حرب ... غسلته بالكافور
انت ابن عاشك صفن .. شاف السمه بلا جنح ... صعد احلامه طيور
ليصل الى عقد التوليفه المموسقه في التوالد الصوري من عتبة النص الى اخر بيتين ، ( مجنون كبل الحرب ... شال المحبه علم ... بالقفص حط شاجور ... كال انتصر ... وانتصر ... والغبره من انجلت .. الشجره بيها جرح ... واستشهد العصفور )
الشجرة هي الحياة والجرح فيها هو الحرب والعصفور هو الحب ، تلك هي عتبة النص ، وهذا هو تسلسل التشظي المترامي على جسد النص وصولا الى الخاتمة ، لتكون القصيدة مكتوبه من العنوان وليست من البيت الأول .