|
عرار:
غسان إسماعيل عبد الخالق في ضوء تزايد الاعتناء بالاستشراق والمستشرقين في الوطن العربي – وخاصة بعد صدور كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد بالعربية، وصدور «موسوعة المستشرقين» لعبد الرحمن بدوي – فقد برزت حاجة الباحثين وطلاب العلم والقرّاء والناشرين العرب، إلى كتب ميسّرة ويمكن أن توضّح ما استغلق على الأفهام في كتاب «الاستشراق»، وإلى معاجم خاصة بالمستشرقين، يمكن استخدامها بيسر وسهولة، دون الشعور بذلك الشّواش الذي خيّم على (موسوعة المستشرقين). ويبدو أن الدكتور عبد الحميد صالح حمدان قد تلمّس هذه الحاجة، وعمل بطريقته الخاصة على تلبيتها، ثم بادر لإصدار (طبقات المستشرقين)، فسدّ – عمليًا وشكليًا – ثغرة يصعب إنكارها، لكنه على الصعيد المعرفي والأخلاقي، قد يظل موضع لوم وعتب الباحثين الرصناء. وقد استلهم الدكتور عبد الحميد صالح حمدان، منهجيّة الطبقات التي استخدمها علماء العرب القدامى (التعريف بطائفة من الطوائف أو فئة من الفئات والإشادة بهم وبتاريخ حياتهم وسيرتهم وأعمالهم تخليدًا لذكراهم وتمجيدًا لدورهم)، ومثّل لنماذجه المشهورة على صعيد تفعيل هذه المنهجية فكان (أول من اشتهر بذلك ابن سعد الذي اختص الصحابة والتابعين وألف فيهم طبقاته المشهورة المعروفة بـ»الطبقات الكبرى» أو «طبقات ابن سعد». ونسج على منواله علماء أعلام من أمثال ابن قتيبة صاحب «طبقات الشعراء» والسُّلَمي صاحب «طبقات الصوفيّة» والذهبي مؤلف «طبقات الحفّاظ» وابن صاعد صاحب «طبقات الحكماء» والسّبكي صاحب «طبقات الشافعية»). وقياسًا على ما تقدم، فقد رأى أن يفرد طبقات المستشرقين بهذا المؤلّف: (لكي يكون بمثابة مرآة صادقة تعكس ما قام به صفوة المستشرقين من جهود في مجال الدراسات العربية والإسلامية على مرّ العصور، وما خلّفوه للمكتبة العربية الإسلامية من آثار ومؤلّفات، إن متنًا أو ترجمة أو تعليقًا أو درسًا، لكي تطّلع عليه أجيال الباحثين والدارسين في جميع أنحاء العالم). الترجمة الوحيدة التي عثرت عليها للدكتور عبد الحميد صالح حمدان، أوردتها جمعية الترجمة العربية وحوار الثقافات، وتعود للعام 2005. وجاء فيها أنه ولد في القليوبية بمصر عام 1935، وحصل على دكتوراه الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية مع مرتبة الشرف من جامعة باريس عام 1975. وقد عمل أستاذًا للتاريخ الإسلامي في عدد من الجامعات العربية والأوروبية. كما تمتّع بعضوية اتحاد المؤرخين العرب والرابطة الأمريكية لدراسات الشرق الأوسط والجمعية البريطانية لبحوث الشرق الأوسط، وعمل مراسلاً لدائرة المعارف الإسلامية في ليدن ودائرة المعارف الإسلامية في استانبول. وحقق عددًا من الكتب في حقول التاريخ والتصوّف والعلوم أبرزها: الجزء العشرون من (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) للعمري، و(الكواكب في بيان أحكام الحيوان والنبات والجماد) لعبد الرؤوف المناوي. كما ألّف ونشر بالفرنسية والعربية، ومن أبرز مؤلّفاته في العربية: (مصر وأصولها العربية) و(طبقات المستشرقين). صدر كتاب (طبقات المستشرقين) عن مكتبة مدبولي في القاهرة عام (1997) في (227) صفحة من القطع الكبير. مشتملاً على (228) ترجمة طويلة أو متوسّطة أو قصيرة. وقد ذيّله المؤلف بفهرس زمني للمستشرقين الذين ترجم لهم في أربع صفحات، وختمه بثبت للمصادر والمراجع التي أفاد منها في إعداد كتابه، وعددها 17 مرجعًا عربيًا وثلاثة مراجع إنجليزية ومرجعان فرنسيان. ومن أبرز المراجع العربية التي اعتمد عليها: 1- تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان. 2- الأعلام لخير الدين الزركلي. 3- الاستشراق، لإدوارد سعيد. 4- موسوعة المستشرقين لعبد الرحمن بدوي. 5- الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا لميشال جحا. قدّم الدكتور عبد الحميد لمعجمه بمقدمة موجزة مكثفة في ثلاث صفحات، نوّه فيها بعلم الطبقات عند المسلمين؛ طبقات الصحابة والتابعين والفقهاء والمحدثين والتجار والشعراء، وهو العلم الذي سار على نهجه في إنشاء معجمه الاستشراقي الممتد من القرن السادس عشر حتى القرن العشرين، وختمها قائلاً: (وقد توخّينا في هذا الكتاب الاقتصار على التعريف بالمستشرقين وبتاريخ حياتهم وأعمالهم وما قدّموه من خدمات في هذا المضمار، ولم نشأ الخوض في الحكم لهم أو عليهم، فليس هذا غرضنا في هذا الكتاب. وقد راعينا عند الكلام عنهم تقسيمهم إلى طبقات تمثل كل طبقة قرنًا من الزمان، وأفردنا تراجم كل طبقة على حدة حسب سني وفاتهم مرتّبة على حروف المعجم، فجاءت خمس طبقات تمثل خمسة قرون (من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين) وقد أوجزنا حيث لزم الإيجاز وأطنبنا حيث تطلب الأمر ذلك، وحرصنا على إيراد الأسماء بلغاتها الأصلية إلى جانب اللغة العربية، استكمالاً للفائدة وتسهيلاً للرجوع إليها. وقد زودنا الكتاب بفهرس للأسماء حسب الحروف الأبجدية العربية). إن أبرز ما يمكن إيراده من ملاحظات بخصوص (طبقات المستشرقين) يمكن أن يلخّص فيما يلي: 1- حسن التنظيم؛ فالكتاب واضح المعالم والتقاسيم؛ مقدّمة وخمسة أجزاء، في كل جزء أبرز أعلام القرن مرتبين ترتيبًا أبجديًا. فضلاً عن كشّاف ختامي يظهر أسماء المستشرقين وأرقام الصفحات الخاصة بترجمة كل واحد منهم. 2- تفعيل منهجية الطبقات؛ فدرءًا للتشويش الذي يمكن أن نصاب به جرّاء كثرة المستشرقين وتباين سنوات ولادتهم ووفياتهم وتعدّد بلدانهم ومشاغلهم، بادر الدكتور عبد الحميد صالح حمدان لتفعيل وتوظيف إحدى منهجيات الموروث الإسلامي ممثلة بعلم الطبقات، وهي منهجية تاريخية عملية وواضحة ومريحة للباحث والقارئ في آن واحد؛ إذ يكفي أن نعرف القرن الذي نشط فيه المستشرق حتى نستدل عليه بقليل من الجهد. ومع أن هذه المنهجية لا تخلو من بعض المحاذير التي يتمثل أبرزها في إمكانية تواجد مستشرق في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مثلاً، إلا أنَّ الدكتور عبد الحميد صالح حمدان ضرب عبر توظيف وتفعيل هذه المنهجية، عصفورين بحجر واحد في آن: حيث جرّ وجهًا من وجوه الموروث العربي الإسلامي وسلّط الضوء على نجاعته التصنيفية من جهة، وألحق المستشرقين الغربيين بعالم الطبقات من جهة ثانية! 3- اطّراد قالب وأدوات التعريف؛ فهو يحافظ على اطّراد قالب وأدوات التعريف بالمستشرقين، ويورد اسم المستشرق بالعربية وبلغته الأم وسنة الولادة وسنة الوفاة وما تيسّر من سيرة المستشرق وأبرز أعماله وطروحاته. ومن نافل الحديث القول بأن هذا الاطّراد يمثل أبرز صفات كتب التراجم الموثوقة في الشرق والغرب، لأن التفاوت في قالب التعريف وفي أدوات التعريف، من شأنه الإخلال بمصداقية المترجم. 4- سهولة اللغة ووضوحها؛ فقد واظب الدكتور عبد الحميد صالح على استخدام لغة سهلة واضحة، خالية من المجازات أو الكنايات أو الاستعارات التي يمكن أن تكون مدخلاً لتأويلات متعددة، أي أنه يصف ويقرّر ولا يفسر أو يبرّر. 5- تحييد العواطف الشخصية؛ فقد حافظ إلى حد بعيد، على تجرّد المترجم والباحث الذي يعدّ كل ترجمة من تراجم المستشرقين موضوعًا محضًا، بغض النظر عن آراء أو مواقف هذا المستشرق من الموروث العربي الإسلامي، ولم يقحم عواطفه الدينية أو القومية أو الشخصية ليمدح هذا المستشرق أو ليذم ذاك. 6- التفريط بتوثيق مصادر الترجمات؛ فمع أن الدكتور عبد الحميد صالح حمدان، قد أورد ثبتًا بالمصادر والمراجع التي استند إليها لإنشاء معجمه، إلا أنه فرّط بواجب توثيق مصادر كل ترجمة من تراجم المستشرقين على حدة، على الرغم من قلة المصادر والمراجع التي استند إليها. ولا ريب في أن هذا التفريط قد غضّ من قيمة ومصداقية (طبقات المستشرقين)، وقد يكون مدخلاً لما هو أخطر من ذلك، كما سنورد في الملاحظة التالية. 7- استسهال النقل الحرفي عن السابقين؛ فمع أن مؤلفي كتب التراجم يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على جهود السابقين، إلا أن الموثوقين منهم لا يدخرون وسعًا لإشعار القارئ بأنهم ينقلون في هذا الموضع أو ذاك من هذا المصدر أو ذاك. وهو ما لم يلتزم به الدكتور عبد الحميد صالح حمدان. وقد قارنت بين ترجماته لجولدتسيهر وماسينيون ومرجليوث وترجمات الدكتور عبد الرحمن بدوي للمستشرقين أنفسهم – على سبيل المثال لا الحصر – فوجدت أنه يجرّد هذه الترجمات من بعض العبارات أو الفقرات التي تشتمل على آراء أو مواقف أو تحليلات أو عواطف شخصية للدكتور عبد الرحمن بدوي، ثم ينقل ما تبقى منها نقلاً حرفيًا، إلى الحد الذي أخشى أن أقول معه بأن (طبقات المستشرقين) ليس إلا شكلاً من أشكال تلخيص أو تهذيب (موسوعة المستشرقين)! 8- رشاقة (طبقات المستشرقين)؛ فمعدّ المعجم وناشره، نظرا بعين الاعتبار الشديد على الأغلب، لحقيقة حاجة الباحثين وطلاب العلم، إلى معجم مختصر زهيد الثمن، يسهل شراؤه واقتناؤه وحمله، فأخرجاه بحجم وحرف جعلاه قابلاً لاحتواء (228) ترجمة. وحتى لا نغمط الدكتور عبد الحميد صالح حمدان كل حقوقه في هذا المعجم، فقد كان الأجدر به أن يثبت لنفسه صفة (الإعداد) بدلاً من صفة (التأليف) التي وشّح بها صفحة الغلاف. ومع أن صفة الإعداد تقع دون صفة التأليف بدرجات، إلا أنّها كانت ستتكفل برد سهام النقاد الرصناء! وربما كان الأجدر به أيضًا أن يطلق على معجمه عنوانًا مثل (موجز موسوعة المستشرقين)! دون أن ننكر جهده الملحوظ على صعيد تفعيل وتوظيف منهجية الطبقات. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 30-08-2024 09:47 مساء
الزوار: 166 التعليقات: 0
|