|
عرار: حاوره لعرار وجيهه عبد الرحمن نائب مدير تحرير عرار لشؤون سوريا:يستجير بكثبان الليل، هارباً من صحوته إلى نور الفراشة الحائمة في فلكها المسكون بظلام الغبن،ذاكرة المكان وأيقونة العصر، يعتِّقها من عبق التاريخ المعبأة برائحة التراب والحجر، إنَّها كلماته التي يعجنها من حبر روحه التواقة إلى المختلف من كل شيء، صاحب ثورة اللون، ومن اللون ينطلق بكلماتهِ، إنَّه الروائي فاضل العبدالله، سليل القهر والغبن المتناسل منذ الأزل، من هنا كان لي معه هذا الحوار : 1ـــ فاضل العبد الله كاتب سوري أين أنت من الكتاب السوريين ؟ " من العجينة التي ما زالت تحلم بأن تكون كلماتها الناطق الرسمي باسم الهامشيين , وخبزاً بفم القارئ .. لذلك تنحت جانباً تنتظر الماء العذب لتعجن كتابة راقية وصالحة للأكل في أي وقت " 2ـــ حصلت على العديد من الجوائز ولم نجد لك إصداراً مطبوعاً !!. " الجوائز لا تقدم ناصية الكاتب الحقيقي بل تؤخره كثيراً في حال كانت هدفه وسعيه الحثيث . هي تزيد فقط من الدعم المعنوي والمادي اللذين على الأغلب سماتهما مفقودة في الشرق الحنيف , ولهذا واجهتني تلك الجوائز بالعديد من الصعاب , وآخرها هذا السؤال الهدام .. حاولت جاهداً إيجاد حلول مناسبة للنشر مع بحثي الدائم عن أشياء مشتركة تجمعني بالقارئ غير الطباعة والنشر, ولكني بدلت المزيد من الجهد دون جدوى . " " بسالة الجوع .. الجوع ثانية .. ثورة اللون ... " بكل تأكيد .. فأنا أعيش بين دفتي كتابين سماويين / إسلام ومسيحية / وعقد الإسلام ينفرط إلى حباته من العرب والكرد , وأقليات أخرى لا ينقصها البهاء , والحالة ذاتها تنطبق على الأخوة المسيحيين , وفي هذا الخليط تظل واضحة ً الكتابة كعمل متقن حيث فعلاً تصبح أفقياً المكان الخصب كما الزمن مفتوحاً على مساحة تحتل فكرة الماضي والحاضر , وعمودياً يصبح الواقعي والوهمي كتلة متحركة وطيّعة . هذا التمازج المذهبي زودني بحس ٍ عال ٍ من الرّهافة والشّاعرية .. مرتبطة مع عشق بيئة وعادات تتمازج مع الطبيعة لتشكّل مجالاً خصباً لتأملات واندغام مع روح العالم البهية .. فأنا مثلاً الكاتب العربي عشقت ما كتبه طفرة الكرد والاستثنائي إلى الأبد سليم بركات , وأقول في هذا ...مثلما لسليم أرواحه الهندسية , أيضاً أنا لي روح , ولكنها ذات بعد هندسي واحد . هو شبه منحرف وما انحرف إلا لأنه رضع من ثدي الحرمان العميق . . 5ـــ بسالة الجوع , والجوع ثانية .. لماذا جزأين من هذه الرواية , هل كانت مساحة الأولى ضيقة على الجوع لتتبعها بثانية . " لا .. لم تكن المساحة ضيقة , ولكن الجوع الذي رضعته بعملين مطولين وفائقي الجوع , هو كشف عن الوعي الباطني المضطرب لذاتي , مضمخة بعطر حزين رهيف في افتقادها لحياة تمضي وفقاً لسنن التطور المادي الصادم , وحزينة في تطلعها لمستقبل مجهول لا يتكافأ مع الماضي الثوري العريق ... ولم تكن مسألة عنوان روايتي " بسالة الجوع " مسألة افتتاح أبداً , ولكن المسألة هي أن يشعر الكاتب أنه صادق فيما يعنونه , والشعور بالصدق يحتوي في بعض عناصره على المنطق الذي طال أكثر من اللازم , وعدم وجود القرصنة في الكتابة يحتاج إلى إعادة نظر . فالكثير من الكتاب يلجأ إلى فخ العنوان ليتصيد القارئ الغافل , وأحياناً يهرب الكاتب إلى العنوان بعدما يهزمه جبروت النَّصّ الّذي يعريه فيلجأ إلى العناوين البراقة , وأحياناً تجد روح النَّصّ أقوى من العنوان الّذي لا يدل عليه . أعتقد هناك حالة من اللاوعي تخض النَّصّ جيداً , وتظل تخض حتّى يكبر العنوان لتضعه على طبق وتقدمه للضيوف القرّاء . عندما قرأت رواية " عناقيد الغضب " لجان شتاينبك , أعجبتني واقعية العنوان الّتي تكاد تملح كبدي , وحاولت من جانب آخر أن أفلسف جوعي , ولكن على طريقتي , وبدأت أكتب روايتي الّتي كانت داخل قلبي مستمرة سبع سنوات , ووصلت إلى طرف الخيط الّذي يصلني بالجوع كي لا أتحول إلى سفسطائي أتلمظ بالسريالية , أي صائد عناوين .. عندما بدأت أتابع هذا المنطق , استطعت أن أكوّن لنفسي نوعاً من التصوّر الّذي فيه الإحساس بخطر الجوع والموت في كل لحظة , ولم يكن ممكناً أن أكتب عنوان روايتي الأولى إلا بهذا الشكل " بسالة الجوع " ولم أشعر بالوقت الطويل الذي داهمني .... " المهرجانات والملتقيات مهمة وضرورة قصوى لأنها وسيلة لتلاقح الأفكار , وعرض ثمار الكتاب الناضجة في موسم البيع أثناء الافتتاحيات لتأخذ حقها من التجاذب والجدل النقدي ... " طبعاً لا .. لأن القصد الأدبي ليس جوهره الوصول إلى المنابر التي غالباً ما تكون استهلاكية غير مدروسة .. فعندما يقوم الأديب بتلبية نشاط أحد المراكز الثقافية أو حتّى السخافية تماشياً مع خطتها الرقمية , تصب هذه الحالة الجميلة بالدعم النفسي والمادي فقط , ولكن يظل الحق عند الأديب يعاني من الإشكالية , و يصب في العمق المدفون داخل صدور الناس .. فالتهميش الذي يشعر به وقلة الاهتمام يجعلانه كئيباً غير معافى,وهو في الأصل متهم بالمزاج الشاذ ... " آخذ السؤال من شقين الأوّل .. استخدمت اغواءات اللون التي تتحكم بانسياقه وحكايته مع الحياة , وحاولت استخدامه إلى حدِّ الانتهاك . محاولة مني لتخريب كونيته , ومصوراً من خلال قدسيته الواقع , وكانت روايتي الثالثة ثورة اللون ..... أما في الشق الثاني من السؤال عن ثورة اللون فتساءلت ..عن نشأة و مخاض كيمياء السرد . 9ـــ ما تعريفك للقصة الشعرية . " " هي إخضاع القصة البليدة إلى عملية تجميل في صميمها , وضبط الإيقاع الدرامي كي تفتح حواراً حساساً وهادئاً مع الملتقي تلامس شغافه ,وإلا من الأفضل أن تظل القصة واقعية أو ساخرة أو مجتزأة من الخيال .. لكن كيف احسم تفاضل الأجناس الأدبية لصالح القصة الشعرية . إذ يتطلب الشعر امتلاكاً متجذراً لعبقرية الأداء اللغوي وجرأة فائقة في تحطيمها من الداخل دون أن يغير الأداء ذلك في طبيعة الانتماء كي لا تتحول الكتابة إلى قصة " سلو " راقصة خارج نغم الوزن الفني , أو قصة من نوع " بريك دانس " المتداعية على الشغب والتحديث , أو حتّى أقل الأضرار قصة منفوخة بالسيلكون اللغوي . 10ـــ نجد بقصصك بعض الألفاظ العامية .. هل لديك خطة لذلك . " ركزت اهتمامي أحياناً على الشرفة المستعملة في إرسال العامية , أي على اللغة نفسها , وفي حالة الفن السردي , يتركز الاهتمام على الرسالة بوصفها غاية في ذاتها وليس وسيلة مستقلة عن الظروف الخارجية أي ركزت عادة على السياق . بشرط أن الاستعمال لا يسيء إلى اللغة الأم ولا يتعدى خمسة بالمائة من القدرة المستهلكة .. فإذا تجاوز ذلك تشوه النص وهذا التلقيح لا يجدي نفعاً لأغراض عملية .. حاولت أن أدفع إلى الذاكرة العربية مخيلة جديدة للغة قديمة , وأعطي فصاحة جديدة لكلام مجهول .. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الإثنين 06-02-2012 12:42 مساء
الزوار: 1979 التعليقات: 0
|