ومدير عام مؤسسة عبد الحميد شومان ثابت الطاهر، شارك فيه ظهر أمس في قاعة اجتماعات المركز الثقافي الملكي زهاء 70 مثقفاً ومثقفة يمثلون معظم جهات واهتمامات الأنتلجنسيا الثقافية والإبداعية والفكرية والمعرفية والأكاديمية المحلية، شكّلت بمجموعها وتنوعها وتباينها وحتى شتاتها أحياناً عن الغرض الجوهري للقاء التشاور، بانوراما أفكار ورؤى، أو ما يمكن تسميته موزاييك المشهد الثقافي المحلي، وتجلياته وسماته وميزاته واختلالاته.
وفي حين صبّت بعض تلك المداخلات في جوهر الغاية والمراد من اللقاء، وتضمنت اقتراحات عملية يمكن المراكمة عليها على طريق التحضيرات للمؤتمر، فإن مداخلات أخرى شتّت وجنحت إلى تفاصيل وعناوين وأسئلة ليس اللقاء مكان الإجابة عنها أو الخوض فيها.
ربيع الثورات العربية، الحراك الإصلاحي المحلي المطالِب بالتغيير، الثقافة التنويرية في وجه قوى الظلام والتكفير والتجييش، ثقافة الحوار، اقتصاديات الثقافة وموازناتها، دور التربية والتعليم في البناء والنماء والإعلاء من شأن الثقافة، ثقافة الأطراف والمحافظات البعيدة عن العاصمة، توصيات مؤتمرات ثقافية سابقة، الترجمة، الحرف اليدوية، أوضاع الدراما المحلية، والتشكيل المحلي، ومختلف حقول الفنون البصرية والأدائية، دور الإعلام والمؤسسات والهيئات المعنية بالشأن الثقافي، مكونات الثقافة المحلية، والغاية من المؤتمر، وموعده ومكانه، والجهات التي يمكن أن تشارك فيه وموضوعاته وقضايا ومسائل أخرى، تناولتها مداخلات مبدعين وكتاب ونقاد ومثقفين وأكاديميين ورؤساء ومدراء مؤسسات وهيئات ثقافية عديدة، أدلوا جميعهم وغيرهم بدلوهم في اللقاء الذي اختتم باختيار لجنة تحضيرية للمؤتمر المنوي إقامته خلال الأسابيع المقبلة.
وزير الثقافة د. صلاح جرار كان استهل اللقاء التشاوري بكلمة استعرض فيها الأسئلة الموضوعة على طاولات نقاشات المثقفين، والمرشحة لأن تكون على رأس سلّم أولوياتهم، ومن تلك الأسئلة: كيف ينظر المجتمع الأردنّي للثقافة والعمل الثقافي؟ ما الذي قدّمته الثقافة للمجتمع الأردنّي؟ ما مدى مسؤولية الواقع الثقافي في المملكة عن بعض الاختلالات في القيم والأخلاقيات والمفاهيم؟ ما مدى مواكبة العمل الثقافي في المملكة للمستجدات الثقافية والعلمية والمعرفية والتحولاّت السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم؟ وأخيراً ما دور الثقافة في المساعي الإصلاحية التي يشهدها الأردن؟ جرار أتبع الأسئلة التي طرحها بالقول «إنني أضع هذه الأسئلة بين أيديكم، وأنا أتلقى في كلّ يوم وحيثما توجهت شكاوى وانتقادات للثقافة والعمل الثقافي من سائر الناس مثقفين وغير مثقفين، حتى أن المنشغلين بالثقافة والفنون قلّما تجد منهم من لا يتبرم ويشكو وينتقد، فكلّ واحد ينتقد كل واحد، ولأن إدارة العمل الثقافي مجسّدة في شخص وزارة الثقافة فإن من النادر أن نجد من أهل الثقافة من لا ينتقد هذه الوزارة وسياستها وإجراءاتها ولجانها، ولئن كانت هذه الظاهرة قديمة منذ نشأة وزارة الثقافة، إلاّ أنها ازدادت كثيراً في السنوات الأخيرة، حتى وصل الأمر إلى التشكيك في عمل لجان المشاريع جمعيها مثل لجان الجوائز التقديرية والتشجيعية، ولجان مكتبة الأسرة، ولجان التفرغ الإبداعي، ولجان المدن الثقافية، ولجان المهرجانات، ولجان النشر والإصدارات، فضلاً عن الحطّ من مستوى ما ينشر من إصدارات وأعداد مجلاّت، وما يقام من مهرجانات وما ينظم من مؤتمرات».
جرار ورغم إقراره أنّ عدم الرضا شرطٌُ من شروط الاستمرار في تطوير العمل الثقافي ومستوى المنتج الثقافي ومخرجاته، إلاّ أنه عبّر، في الوقت نفسه، عن إيمانه بضرورة «منهجة النقد ومأسسته كي يكون أكثر مصداقية وأكثر دقّة في إصابة الهدف وتحقيق الغايات المنشودة والمتوخّاة من النقد».
وهو المنطلق، الذي شكّل أساس الدعوة، برأي وزير الثقافة، إلى «عقد مؤتمر ثقافي وطني شامل تشارك به مختلف قطاعات الثقافة والفنون، من أجل العمل سوّية على وضع النقاط على الحروف وتحمّل مسؤولياتنا إزاء الواقع الثقافي وتطويره والاستفادة من الطاقات الثقافية والفكرية والفنية التي يحفل بها الأردن إلى أقصى حد ممكن».
مدير عام مؤسسة عبد الحميد شومان ثابت الطاهر رأى في كلمة ألقاها في اللقاء التشاوري التمهيدي قبيل المؤتمر الثقافي الوطني أن رأس مال الأردن هو الإنسان، وعليه فإن الاستثمار الحقيقي ينبغي أن يكون فيه عبر سبل التنمية الثقافية المختلفة، ومنها، كما أورد الطاهر، فرص التعليم المناسبة بما يتواءم مع وسائل المعرفة الحديثة المختلفة والانفتاح على الثقافات والمنجزات العالمية، وتهيئ له البيئة الملائمة والمناخ المناسب للعمل الجاد والمثمر والإبداع. وضع خطةِ عملٍ استراتيجية للأهداف التي يسعى المؤتمر لتحقيقها، هو، بحسب الطاهر، من الأولويات التي يفترض أن تكرس مختلف الجهود لها ولصياغتها، على أن تكون في مقدمة أهداف تلك الخطة: رعاية الإبداع والمبدعين، والارتقاء بالحس الثقافي والاجتماعي عبر إقامة الفعاليات الثقافية الفنية المنوعة في عمان وباقي المحافظات، ودعم تلك الفعاليات والنشاطات على اختلاف حقولها وأنواعها من فنية (تشكيل ومسرح وموسيقى وسينما ودراما تلفزيونية)، وأدبية (شعر ونثر ونقد) ومعرفية (فكر وبحث ودراسات أكاديمية) وغيرها.
القاصة د. هند أبو الشعر أستاذة التاريخ في جامعة آل البيت وضعت في كلمتها أمام حضور اللقاء والمشاركين فيه، بعض النقاط على حروفها. فذكرت بداية أن المؤتمر المزمع عقده ليس أول مؤتمر ثقافي يقام في الأردن، وهي ليست الحالة الأولى لمحاولة رسم استراتيجية ثقافية، وهو ما يستدعي، برأيها، السؤال عن الجدوى، وعما تحقق من ثوابت استراتيجية في الحقل الثقافي. أبو الشعر، تريد من وراء هذه الملاحظة الابتعاد عن نقطة الصفر، فلا يُبدأ كل مرة من عندها، بل في إيجاد طريقة ما لتراكمٍ ما. النقطة التي بدأت أبو الشعر منها، جعلتها تنتقل إلى فكرة أن البناء على الإنجازات السابقة يستدعي غربلتها بحزم، لتجنب الحالات التي أثبتت فشلها. نقطة أخرى أثارتها أبو الشعر في كلمتها تتلخص بأن ثقافة العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لا بد أن تختلف بالضرورة، والكلام على عهدتها، عن ثقافة العقد الأول، ومعطيات كل عقد على الأصعدة الوطنية والعربية والعالمية، تختلف، بحسبها، عن غيرها، ما يعني ضرورة التجديد ورسم خارطة طريق أكثر ذكاء ومرونة ووعياً، وتحديد الوجهات والأولويات.
المشاركون في اللقاء التمهيدي التشاوري اختاروا في ختامه لجنة تحضيرية للمؤتمر الثقافي الوطني، على طريقة أن يرشح واحد من المشاركين آخر لعضوية اللجنة ويثني على هذا الترشيح واحد ثالث على الأقل، وفق هذه الآلية اختار المشاركون، الكتّابَ والفنانين والمبدعين والمثقفين والأكاديميين الآتية أسماؤهم لعضوية اللجنة التحضيرية: د. أحمد راشد منسقاً لوزارة الثقافة وممثلاً لها، د. هند أبو الشعر، د. امتنان الصمادي، نادرة عمران، نبيلة الخطيب، لواحظ بشناق، حسين نشوان، مفلح العدوان، د. سلطان المعاني، حسين الخطيب، د. خالد جبر، محمد سمحان، عبد الله رضوان، عدنان زهران ود. محمد القضاة.