ما لم يتوقعه العالم حل وباء الكورونا فاكتسح الكرة الأرضية في لحظات خيالية وأخذت الدول والحكومات تعدل أوتارها .. تعددت الإجتماعات الدورية وصدرت القرارات الفورية والتدابير الصحية بملازمة الأفراد الحجر الصحي الذاتي والشامل في كل بلدان العالم للتصدي لهذا الوباء الفتاك القاتل الحاصد للأرواح بعد تفشيه بسرعة عجيبة فبعد الصين مصدر الكورونا إحتلت الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الثانية وتبعتها إيطاليا وإسبانيا وإيران ودول العالم الأخرى التي أصيبت هي الأخرى بهذا الوباء الذي أودى لحد الآن بقرابة نصف مليون بشر .. حتى قادة زعماء العالم لم يسلموا منه آخرهم ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز ورئيس الوزارء بوريس ورئيس البرازيل وغيرهم ممن أصيبوا بوباء الكورونا ..

ويأتي السؤال الآن : هل غيرت الكورونا من سلوكيات الأفراد والمجتمعات ؟ 

الجواب للأسف بالنفي ؛ بعد أن بلغ إلى علمنا أن دورية للشرطة المرورية ضبطت سيارة إسعاف لمرضى الكورونا وعلى متنها ثلاثة أشخاص سائق ومرافقين له وهم يحملون قوارير خمر في شهر شعبان الفضيل ونحن على أبواب رمضان المعظم .. كيف نقرأ هذا السلوك ؟ .. هل بقلة الوعي والإستهتار بالقيم أم بأمور تربوية أخرى .. يبقى السؤال مطروحا ..

نأتي أيضا إلى سلوكيات البعض من ساسة العالم من لم يأخذ أمر الكورونا بجدية فحلت الكارثة التي ما كان يتوقع حصولها حيث حصد هذا الوباء عديد الأرواح حتى أن هناك عديد الدول لم تقدر على حصره وتفشى فيها كالنار في الهشيم ..

والأمر المحير الآن كيف ستعالج دول العالم إقتصادها المنهار بسبب الكورونا ؟ حتى أمريكا أصبحت عاجزة وطلبت المساعدة .. ترى هل ستوقف حروبها في العالم وترفع الحظر المسلط على عديد الدول بسبب غطرستها وجبروتها ؟ وهل ستوقف السعودية والإمارات الحرب على اليمن بعد إنخفاض سعر برميل النفط ؟ 

ماذا عن القضية الفلسطينية بعد وباء الكورونا هل سنشهد تغييرا في المواقف الدولية ؟

بالتأكيد سيتم تغيير الخارطة السياسية العالمية وهناك قوتان ستحكمان العالم إن تم الإتفاق بينهما وهما الصين وأمريكا .. وأحسب أن تركيبة مجلس الأمن الدولي هي الأخرى ستتغير ..

وعن سلوك الأفراد والمجتمعات سيبقى رهين مراجعة الدول لقوانينها وتدابيرها الإصلاحية وخاصة التربوية والثقافية لأنه لم يعد بالإمكان ترك الحبل على الغارب لابد من مدونة سلوك تحد من إستهتار العديد من الأفراد بالقيم الإنسانية بعد تفشي ظاهرة الإجرام والإرهاب وعديد المظاهر الأخرى التي أفسدت عديد المجتمعات وأدت إلى تدهورها وانحطاطها ..

بعد كل هذا وذاك يمكن القول أن وباء الكورونا سيلعب دورا فعالا في تغيير الأنماط الفردية والدولية وربما في خريطة العالم الجيوسياسية ..

صلاح الورتاني // تونس