«حكاية وشم» سيرة حياة للدكتور عبد القادر الربّاعي ثرية ومثيرة بعثراتها وإنجازاتها
عرار:
صدر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع بعمان كتاب جديد بعنوان «حكاية وشم» للدكتور عبد القادر الرباعي (سيرة حياة). وقد افتتح الكتاب بمقدمة يقوله فيها: «لما كان العنوان هو العتبة المركزية الأولى لتمثلات هذا المنجز، فإن الوشم هو قلبه وعنوانه. وإذا ما ذكر الوشم هنا، فإن ذكره أتى لوظيفته المركزية؛ بعيداً عن تسويغه. فالوشم محرم في الإسلام، لكن المثير فيه أن الإنسان استخدمه وتعامل معه منذ القدم. ولولا وجوده قبل الإسلام ماحرمه الإسلام. نتعامل مع الوشم هنا على أنه ظاهرة وجدت في زمن قديم جداً مجهول المدى، وأنه انتشر لدى كل الأمم، وهو الآن منتشر في كل بقاع الأرض، بقطع النظر عمّن يستخدمه، ومن لا يستخدمه. وإن عدنا إلى العنوان فإننا نعيد في الذاكرة الرمزية، صنع الوشم، أو تكوينه الداخلي. ذلك أن تخيل الوشم صورة وغاية تندمجان معاً لتوحيا برمز متخيل ضمن مجال معنوي آخر؛ يعدل عند الواشم، ذلك التكوين الداخلي للوشم، أو يتماهى فيه. فأفعال الإنسان ذات القيمةالمعنوية الثرية على الأرض؛ إنما هي وشوم رمزية تتشكل بمعاناة وألم حادين، أنكى– ربما - من ألم غرز إبر الوشم نفسه في الجسد المادي. وهي تترك في الأرض والتاريخ، آثاراً عزيزة مبتغاة ومتمناة، تتراءى لصانعها جسداً ما مميزاً يختصر قيمة متجذرة، صنعها لتبقى له وشماً منقوشاً على خد الصخر الصلد المتخيل، رسوماً خطها بحفر آلامه، وكدُّ أماله. فحكاية الوشم المتخيل، هي - في الحقيقة - سيرة الواشم التي تتداولها الكلمات المنطوقة، والصفحات المرقومة، وتدور بها دوران كف الرحى على رقاع المدى، أو تنقشها على خد الصفا تنائف المدى، ما دام على الأرض آمل للتغيير يخطو، وللحق طريقاً يشقُّ، وعلى نبض الخيرمع إدامة الحياة يصحو، وعلى أفلاك الموت يغدو... ويعدو. حكاية الوشم إذن: هي السيرة التي نقشتها على خد الصفا تنائف المدى». أصقاع وعرة، متباعدة، ومعقدة، وشاقة، وعنيدة تلك التي قطعها صاحب حكاية الوشم، بإصرار في العزم، وثقة بالنفس، وإيمان بالذات. كان وما زال مؤمناً بأن الإنسان خلق كي يكون حاملاً للرسالة الإنسانية الهادفة الجادة النافعة، ومصمماً على تصييرها حقيقة واقعة في الحياة. لكن ذلك يحتاج صراعاً عاتياً مع الزمان، ومع المكان، ومع الإنسان. ولئن دخلنا نستكشف ممانعة كل من هذا الثالوت الحياتي الجبار، فإننا واجدون أن الإنسان في ممانعاته كان الأقسى والأعتى والأنكى. لكن صاحب الوشم اندفع بحماسة أشد متخطياً رعونة المكائد، وعثرات الطريق، ومصاد الرياح، حتى وصل وأنجز كل ماله خطَّط، رافعاً راية النجاح العظيم في مسيرته التعليمية، والعلمية، والتأسيسية. أما الإنسان الآخر الممانع، فلم يكسب من تحايله، وأحابيله ومكائده، إلا الخسران، والهوان، والبوار. هكذا كانت رحلة الحياة كما صورتها حكاية الوشم: سيرةً مثيرةً بعثراتها وإنجازاتها، منذ أن كانت حلم صبي غارق في الأماني وسط بيئة قاحلة من أدنى ما هو متاح لتلك الأحلام، حتى استطاع بالإيمان، والعزيمة والتصميم والإصرار، أن ينجح، وأن يصير المستحيل واقعاً، حتى يصل إلى تحقيق حلمه بتصميم عنيد، وإنجاز كل آماله الكبار برؤى سامقة لا يقنعها إلا ريادة المعالي. يقول صاحب السيرة: علمتني الحياة بعد أن عاركتني وعاركتها، وسجلتُ على صفحاتها حكاية الوشم أن الإنسان يُقذَفُ منذ صغره في مجرى الحياة لا يعرف ماذا ينتظره فيها، وما أن يصل درجة الوعي والإعداد حتى تنفتح أمامه جزر ملآى بالدروب الوعرة هنا، والسالكة هناك. قد تغري الدروب السهلة جماعة من السالكين المتسرعين المتهاونين، فيسلكونها واثقي الخطو، لكنها قد تدخلهم نفقاً طويلاً مظلماً لا يبين لأنهم سيكونون فيه أسرى لغيرهم يأخذونهم يميناً تارة وشمالاً تارة وهم لا حول لهم في كل ذلك ولا قوة. أما الذين يختارون سلوك الطريق الآخر الوعر والمتعرج.، فإنهم قد يجدونه –إن كانوا سلكوه وهم معتمدون على إراداتهم الصارمة العزم، الثاقبة الرؤية - الأقرب إلى تحقيق النجاح المأمول، حتى مع كونه وعراً وكثير المتاهات، لأن ما يحققونه صنع قدرتهم وإرادتهم الحرة.