«ثلاث برك آسنة» روايات قصيرة من واقع الشتات والحرب والغربة لـ«غبيش»
عرار:
نضال برقان يواصل إبراهيم غبيش في مجموعته «ثلاث برك آسنة» مسيرته الإبداعية التي تعود بداياتها إلى ستينيات القرن العشرين، وقدَّمَ خلالها مجموعة من الأعمال السردية المميزة التي تراوحت بين فن الرواية، وفن القصة القصيرة، وفن الرواية القصيرة «النوفيلا» التي يحرص غبيش مؤخرا على إيصال صوته وتثبيت بصمته الإبداعية من خلالها. وحوت المجموعة 11 رواية قصيرة كرس الكاتب خلالها أسلوبه الذي يجمع بين الواقعية والرمزية، متخذًا في مجموعة منها من واقع الشتات الفلسطيني خلفية لأعماله. وقد ظهر هذا الواقع في القصة الافتتاحية التي حملت المجموعة أيضا اسمها؛ «ثلاث برك آسنة»، ودارت حول المخيم الفلسطيني البائس الذي يواجه اللاجئ فيه شظف العيش والفقر والمرض والضياع، ما يفرض عليه مزيدا من الشتات والمعاناة. وجاءت المجموعة الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن في 228 صفحة من القطع المتوسط، وأبرزت قضايا إنسانية بحتة، حضرت فيها إضافة إلى الشتات، هموم الغربة والحب والمرأة وعلاقة الشرق بالغرب والفقر والحرب والعجز أمام المصير. ورأت الناقدة بديعة النعيمي أن اللغة التي استخدمها الكاتب امتازت: «بالجمل القصيرة والمركزة ومعظمها رامزة إلى أشياء أرادها الكاتب وبعضها ربما حمل أيديولوجيا معينة.» وأشارت إلى هذه المجموعة تعتبر: «من أدب النخبة وليست من أدب الجمهور؛ أي أنها موجهة إلى فئة معينة». ومن نصوص المجموعة التي يظهر فيها أسلوب الكاتب وكيفية تشكيله لسياقاتها المكانية والزمانية: «حلَّ أوَّلُ الخريف فالشِّتاءُ، ثمَّ بدايةُ الرّبيع. ألعبُ وحيدًا بجانب بِرْكَة الماءِ الآسِنة. أمّا أبي فشعرَ بالقهر والمرارة ممّا حدث ومن وَضْعهِ الجسديّ، ارتفعَ ضغطُه، أصابَهُ شَلَلٌ نصفيّ، ورحلَ مبكّرًا إلى مقبرةِ المخيّم أعلى الجبلّ المُجاور. بقيتُ أنا وأمّي والخيمة، وظلَّ مبلغٌ من المالِ يتدفَّق سنويًّا علينا. انتقلتُ إلى الوحداتِ الإسمنتيةِ، وانتعشَتْ أحوالُ المخيَّمِ قليلًا. ظلَّتْ البِرْكَةُ مكانيَ الوحيدَ والحزينَ الذي ألجأُ إليهِ وأتحدَّثُ فيهِ مع أختي الصَّغيرة عهد. لم تعُدْ، ولم تتَّصلْ بنا. النقودُ، النقودُ فقط». وتُلقي المجموعة كذلك الضوء على واقع الحرب في أكثر من موقع داخل الجغرافيا العربية، كما في قصة «آدم» التي تتناول تداعيات الحرب في كلٍّ ليبيا ودارفور. يقول أحد مقاطع الرواية: «حين يتعطل المصعد، لا بد أن يصعد على الدرج الداخلي ما بين الطابق الثاني والسادس، آدم العجوز وآدم الصغير. يهدُّه التعب أحيانًا، يجلس على درجات السلم المعتم وحيدًا، يلهث، يتذكر عائلته التي ذهبت في دارفور. آدم العجوز في غيبوبة، وآدم الصغير في غيبوبة.. يبكي بكاءً صامتًا: لم يعد لي في المدينة غيركما، آدم وآدم. أبحثُ عن الفرح، لكن، كل ما تلمسه ذاكرتي يتحول إلى حكاية حزينة». ومن الجدير ذكره أن د. إبراهيم غبيش وُلد في مدينة رام الله لأبوين فلسطينيين في خمسينيات القرن المنصرم، وعاشَ في مخيم الجلزون للاجئين. درسَ الطب في مصر وتخرّج في كلية طب المنصورة، وهو عضو في نقابة الأطباء الأردنيين، وعضو في رابطة الكتاب الأردنيين. وقد ابتدأ نشر قصصه القصيرة منذ العام 1966، ثم صدرت له مجموعة من الروايات والقصص، هي: أسكدنيا، رواية (1998)، شمال غرب، رواية (2003)، كائنات وكرنفال، رواية (2006)، برق ورعد، رواية (2006)، أيوب في حيرته، مجموعة قصصية (2021)، ثلاث برك آسنة، وروايات قصيرة (2021).