وأشار العميمي إلى أن قصائد المغفور له الشيخ زايد، استطاعت بفضل ما تتمتع به من سهولة مفرداتها وأصالة كلماتها وأغراضها، بالإضافة إلى الجوانب الإنسانية الواضحة بها، أن تحقق انتشاراً كبيراً في حياته وبعد وفاته، وقام الكثير من الفنانين بغنائها، حيث يزيد عدد الفنانين الذين تغنوا بقصائد زايد على 60 فناناً من الإمارات ودول الخليج والدول العربية، وأن كثيراً منها قدّم بأصوات فنانين مختلفين، مثل «حبكم وسطا الحشا» التي غناها ما يقرب من 10 فنانين مختلفين، و«مشغول» تسعة فنانين، و«يا خفيف الروح» سبعة فنانين، لافتاً خلال الجلسة الحوارية التي نظمها متحف اللوفر أبوظبي، مساء أول من أمس، بعنوان «التجربة الشعرية الإنسانية للمغفور له الشيخ زايد»، إلى أن الشيخ زايد كتب في موضوعات وأغراض شعرية عدة، مثل الغزل والفخر وحب الوطن وحب أبناء الوطن والقيم والأخلاق الأصيلة لدى العرب، والمحافظة على الهوية الوطنية والاعتزاز بها، والتراث والرياضات التراثية مثل الصيد بالصقور والفروسية وغيرها، وحافظ على استخدام أوزان إماراتية أصيلة في قصائده، مثل الونة والتغرودة والردحة.
وأوضح العميمي أن المغفور له الشيخ زايد اهتم بالشعر بقدر اهتمامه بالثقافة والهوية الوطنية، وانعكس ذلك في اهتمام الإعلام الإماراتي بالشعر مع بداية تأسيس الدولة، فظهر العديد من البرامج التلفزيونية، وكانت هناك أربعة مجالس شعرية في مناطق مختلفة من إمارة أبوظبي، وقام بتخصيص مكافآت مالية للشعراء، مثل الرواتب، كذلك كان يحب الاستماع إلى قصائد الشعراء ويقدّرهم، وفي الوقت نفسه كان ناقداً للشعر، وكان يحرص على إعطاء ملاحظات نقدية على القصائد التي تُلقى أمامه، مشيراً إلى أن زايد وجّه الشعراء بعد قيام الاتحاد بأن يبتعدوا في تجاربهم الشعرية عن أي شكل من أشكال الفرقة وعدم التلاحم، قائلاً: «نحن أبناء مرحلة جديدة من حياتنا، لا مجال لأي نوع من الشعر الذي لا يمثل دولتنا»، وقام بطباعة مجموعة من الدواوين الشعرية لشعراء إماراتيين على نفقته الخاصة في السبعينات والثمانينات.
وأشار العميمي إلى أن الشيخ زايد كان يُبدي إعجابه، وفق ما ذكره الشاعر حمد بوشهاب في كتاباته، بالشاعر الإماراتي الماجدي بن ظاهر وما تضم أشعاره من حكمة، وكذلك بالشاعر الإماراتي سعيد بن عتيق الهاملي الذي اشتهر بالونة والردحة، وهو ما يعكس اهتمامه بالقصيدة الإماراتية الأصيلة، وقام في إحدى الجلسات الشعرية المصورة تلفزيونياً بعقد مقارنة بين بيتين من قصائد المتنبي مع بيتين من قصائد سعيد بن عتيق، مقدماً رأياً نقدياً مبنياً على ذائقة متميزة، وعندما بدأ الفنان جابر جاسم الغناء، وجّهه زايد لغناء قصائد بن عتيق.
شاعر مرموق
وقال الناقد الدكتور غسان الحسن إن المغفور له الشيخ زايد كان شاعراً مرموقاً ومكثراً، وكان شعره يعكس شخصية إنسانية رائعة، تجمع بين الذاتية والانشغال بالهمّ الوطني. وأضاف: «من المعروف أن الشعر هو تعبير عن الذات، وكلما كان الشاعر قريباً من ذاته كلما كانت أشعاره أكثر صدقاً وشاعرية، ولكن الشيخ زايد حتى الشعر الذي يحمل تعبيراً عن الذات جعله وعاءً للتعبير عن الوطن وما يشهده من بناء وتنمية، فعندما يكتب قصيدة عاطفية غالباً ما كان يذهب فيها إلى الوطن والمجتمع».
وقال الحسن إن الشيخ زايد تميّز بالاهتمام في شعره بمضمون القصيدة من معانٍ وأغراض، وكذلك الاهتمام بالشكل من حيث القافية والبنية الفنية والمحسنات اللغوية. واستعرض نماذج من شعر زايد، متوقفاً أمام قصيدة قالها في مهرجان دبي للهجن عام 1987، رداً على قصيدة ترحيبية من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وما تضمنته من معانٍ عميقة، حيث انطلق زايد من الحدث للتأكيد على الوحدة بين أبوظبي ودبي ومختلف إمارات الدولة، معدّداً وشائج الصلة التي تربط بينها، والتي ستمتد إلى أجيال مقبلة. وكذلك توقف أمام قصيدة «بينونة» التي اعتبرها بمثابة لوحة مرئية أو فيلم قصير رسمه زايد بالكلمات لمنطقة الظفرة وما تضمه من تضاريس طبيعية، وأمله في أن يرويها المطر فتزهر أعشابها بشكل دائم.