عمان «ربطة خبز» هو عنوان المجموعة القصصية التي صدرت حديثاً عن دار البيروني للنشر والتوزيع في عمّان، لمؤلفها الكاتب والقاص وليد الحلبي. تضم المجموعة ثلاثاً وأربعين قصةً موزعةً في ثلاثمئة وثماني وعشرين صفحة من الحجم المتوسط. وسوف نكتشف منذ القصة الأولى، وهي بعنوان «قطرات الزمن الجميل»، أنّ منشئ النص يحاول إثبات لامعقولية الواقع برغم تجلياته العادية والمألوفة، والتي لا تبعث على أي نوع من الدهشة من شدة ملازمتنا له والتصاقنا بتفاصيله التي غدت عديمة القدرة على توليد أية دهشة تستحقُّ التوقفَ أو بعثها. ففي «قطرات الزمن الجميل»، نتعرف إلى واحد من المناضلين وهو في معتقل في إحدى الدول. وبالطبع فإننا سنتعرف على صنوف التعذيب الجسديّ والنفسيّ التي تُمارس عليه وعلى غيره من المعتقلين في المكان. وسوف نعرف أنّ التعذيب لن يتوقف حتى يعترف «أبو ثائر» بأنه ارتكب عملاً «تخريبياً» ما، أو أنه يعرف من ارتكبه فيشي باسمه. لكنّ ذلك لن يحدث، ويظل «المناضل» الشاب مصراً على الصَّمت. «أبو ثائر» هو شاب وُلد لعائلة فلسطينية، وبعد النكبة سوف ينخرط هو وإخوته كلٌّ في واحد من التنظيمات السياسية الممنوعة، وسوف يحيل السرد على أنّ هذه التنظيمات تنضوي تحت حاضنة النضال الفلسطينيّ الأمِّ، وهي منظمة التحرير الفلسطينية. وكما هو متوقع، فالسرد نفسه يصرٍّح بأن الأيديولوجيا ستغلب على علاقات الدم، وسوف تؤدي الاختلافات في الرؤى والعقائد إلى قطيعة بين الإخوة الذين لن يعود ثمة تواصل بينهم. الزمن في المعتقل كثيف وبطيء، لكنّ الوقت غائب، ولن يجد «أبو ثائر أية طريقة للإحساس به سوى أنْ يلجأ إلى عدّ قطرات الماء المتساقطة من السقف، بالوصول «إلى 1800»، يكون «(حوالي نصف ساعة)» قد مضى من الوقت، ويصادف ذلك أنْ «يقذف الحارس قطعة الخبز الصباحية من فتحة أسفل باب الزنزانة،» ومع استمرار تساقط قطرات الماء سيزول الخوف من السجان، وهذا ما يحدث في العادة. لكنّ الكاتب لم يردْ أن يخبرنا بما نعلم ونألف معرفته وعيشه، بل سيجرنا إلى ما هو خارج على بنية توقعنا. ففي أحد الأيام سيأتي الحارس ليصطحب «أبو ثائر» إلى ضابط التحقيق، وهو مدير السَّجن، الذي سيخبره أنّ اباه سيزوره، وعليه أنْ يبدو طبيعياً حتى لا يكتشف الوالد أية آثار لتعذيب أو لسوء معاملة. الحارس سيصطحب «أبو ثائر» في يوم الزيارة إلى مكتب الضابط نفسه، وهناك ستشرع «الدنيا» في الدوران بـ»(أبو ثائر) وهو يرى مدير السجن يعانق الرجل العجوز مندهشاً وهو يقول: مرحباً بك يا والدي، ولكن ما الذي جاء بك إلى هنا؟» هذا الكسر لبنية توقع المتلقي هو ما سيبذل وليد الحلبي جهداً ملحوظاً في سوقنا لمواجهته، والاشتباك معه بحزم، وهو – ببساطة – يريدنا أنْ نخلص إلى أنّ ما يبدو عادياً هو، في الحقيقة، غير خاضعٍ لمنطق عاديَّتنا، وفي هذه الحال، نجد أنّ الأخ هو مدير السجن الذي يعذّب أخاه المناضل بلا تردد ولا توقف. «ربطة خبز» هي العمل الثاني الذي يصدره الكاتب الأميركي من أصل فلسطيني بعد كتابه «كلمات لها ظلال»، وله كذلك كثير من المقالات والدراسات في مجلات ومواقع إلكترونية عدة.