وما بين دور ثقافة مغلقة (بقصر هلال وقليبية وغيرها) ودور ثقافة موصدة الأبواب للصيانة (دار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة وغيرها كثير) ودور ثقافة مشلولة الحركة بسبب نقص التجهيزات وفقر الموارد البشرية... تحاصر هذه الفضاءات الثقافية أشباح البؤس والعدم طالما غابت عنها الممارسة الإبداعية وهجرتها الحركية الفنية.
وفي الوقت الذي يردد فيه المسؤولون عن دور الثقافة بأن حلّ اللجان الثقافية هي الطامة الكبرى التي أجهزت على حياة هذه الفضاءات الثقافية، يتعلل الرواد والجمهور بكلاسيكية التنشيط ونمطية البرمجة... مما يجعلهم ينفرون من طرق أبواب دور الثقافة. وإن تتعدد الأسباب فإنّ النتيجة واحدة : دور الثقافة تحت خطّ الحياة!
وقد جاء وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين بمشروعين وطنيين يلخصان فلسفته في إدارة الشأن الثقافي ألاّ وهما «مدن الفنون» و»مدن الحضارات « واللذان يراهن عليهما الوزير لتغيير وجه الحياة الثقافية في الجهات وتثمين التراث الوطني وتكريس الإبداع وتمكين المواطن من سيادته الثقافية إنتاجا واستهلاكا... ولكن أين دور الثقافة من مشروع «مدن الفنون» الذي تبلغ كلفته التقديرية 5 مليون دينار ومشروع «مدن الحضارات» الذي قدرت كلفته بـ2 مليون دينار؟
ولعل في تدشين ساحات الفنون في الجهات والولايات والمعتمديات نيّة لإعلاء صوت الفن في كل السماوات ونشر الثقافة في كل الربوع ولكن كان سيكون لهذا الخيار وقع أكبر وديمومة أكثر لو انطلق من دور الثقافة المنهكة والمرهقة ليجعل منها قاطرة لجر هذا المشروع الوطني وحاضنة للمبادرات الإبداعية والمشاريع الثقافية مما من شأنه أن يحوّلها من مرحلة السبات إلى طور الحياة.
أليس إصلاح القديم ورتق العتيق أحق أوّلا بالإصلاح وتقويم الاعوجاج قبل الانطلاق في التأسيس للجديد حتى لا يكون مصيره كمصير القديم؟