القدس منذ القدم، وحتى الآن، هي محور الصراع في هذه المنطقة وعنوانه. وقد حظيت ليس باهتمام السياسيين والقادة العسكريين والمؤرخين فحسب بل باهتمام الأدباء/الأديبات أيضًا، وجذبت أنظار العالم إليها، وخاصة بعدما أعلن دونالد ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وعزمه على نقل سفارة بلاده إليها. 
من الشاعرات اللائي تناولن القدس في قصائدهن الشاعرة عطاف جانم في مجموعتها «مدار الفراشات» (عمان: فضاءات، 2017م). جاء هذا التناول بطريقة مباشرة في قصيدة وحيدة هي «في القدس وعد بالحياة»، وبطريقة غير مباشرة في قصائد: «المغني» و» كنعان يبلغ سن الضوء» و»مساحة ذات حرب».
في قصيدة « في القدس وعد بالحياة» يتصدر نص مواز يعدّ عتبة نصية بعد عتبة العنوان مباشرة. والنص هو بيتان للشاعر عبد الرحيم محمود يخاطب بهما الأمير سعود بن عبد العزيز عندما زار المسجد الأقصى في عام 1935م، والحركة الصهيونية تتحفز لاغتصاب فلسطين.
«المسجد الأقصى أجئت تزوره/ أم جئت من قبل الضياع تودعه/ حرم تُباح لكل أوكع آبق/ ولكل أفّاق شريد أربعه».
فليس غريبًا أن تتناول القصيدة القدس من خلال تمجيد الشهيد عبد الرحيم محمود الذي سقط في معركة الشجرة عام 1948؛ فهو درة الشعراء، والجدير بأن تشكو إليه الشاعرة بما حل بالمسجد الأقصى الذي غدا كالميت في النعش عندما تكالبت عليه قوى الشر، التي ترمز إليها الشاعرة بالقوارض. 
«يا درة الشعراء والأمراء/ هذا المسجد الأقصى ينوء بنعشه/ لم يبق في فمه ثنايا/ والقوارض من فوق قبته الشهية والبهية/ رفرفت راياتها» (ص 90) 
ولا تنسى الشاعرة أن تلتفت إلى أهالي هذه المدينة المقدسة، وترى أنهم يقاومون احتلال مدينتهم دون أن يناصرهم أحد، إنهم الوحيدون الذين يرابطون في بيت المقدس. 
«هم وحدهم/ أهل الرباط يقاتلون فيَقْتُلون ويُقْتَلون» (ص91)
نلاحظ في هذين السطرين تعاليات نصية تلتقي مع قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث المعروف:» لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من عاداهم وهم في رباط الى يوم الدين، قالوا: أين هم يا رسول الله، قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس». وفي قوله تعالى من سورة التوبة:»إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ». 
وتتحول في القصيدة نفسها قصة أيوب (عليه السلام) عندما شفي من مرضه، بعدما اغتسل بالماء الذي أرشده الله إلى استخراجه من الأرض بقوله تعالى:»اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب» إلى حالة يحسن بالشعب الفلسطيني أن يتمثلها، وهو يسعى إلى تغيير واقعه، وصنع الحياة على أرض وطنه.
«والقدس مغتسل شراب بارد/ فاضرب برجلك أيها المضري/ وامتشق الحياة» (ص95)
أما ظهور القدس بطريقة غير مباشرة فيبدو في قصيدة «كنعان يبلغ سن الضوء» إذ توظف الشاعرة قضية قيامة المسيح عليه السلام لتصوير هبة الشعب الفلسطيني لاستعادة وطنه، وإعادة ذكرى معركة عمورية التي تتبدى فيها الشجاعة والنخوة العربية الإسلامية، عندما استجاب الخليفة المعتصم لنجدة امرأة مسلمة أهانها الروم. 
«هل ملوك الجن جندك/ أم هي الأرض التي قد سرّبتك مثلما الماء/ إلى حيث تقيم الزلزلة/ فتسيح الأسئلة/ فالمسامير التي تشرب من (دمّك)/ والنار التي تقتات من لحمك/ تُذكي ثوب عمورية الخانق بالنوار» (ص105-106)
وفي قصيدة ومضة بعنوان» مسافة/ذات حرب» تبدو القدس مخبأة في ثنايا الألفاظ الموجزة، والوصف الموحي، يتناغم هذا مع كونها قريبة من حيث المسافة والقلب، بعيدة، واليمن أقرب منها، من حيث إمكان الوصول إليها، وتحقيق حريتها.
«ما أبعد المدينة السبية المقدسة/ ما أقرب اليمن(165)
هكذا لامست الشاعرة عطاف جانم الهم العام بتناولها مدينة القدس في مجموعتها «مدار الفراشات» حين دعت إلى الانتباه إلى ما يجري في هذه المدينة المقدسة من اعتداءات على ما فيها من معالم دينية وأثرية، ونجدة أهلها المرابطين. لقد تألقت القدس في المجموعة من خلال تلافيف من التناص الديني والتاريخي، وبوساطة الإيجاز في اللفظ، والتكثيف في المعنى، والتفاوت في الموسيقى، والتنوع في التشكيل.