يرتبط عنوان المجموعة الشّعريّة تراتيل جمع ترتيلة بمضمون واحد مركزيّ في كلّ القصائد وهو الحب الذي حضر في مسميات متعدّدة:الحب، العشق، الحلم، اللّهفة ،الانصهار وتجلّيات كما حضر في كلّ العناوين دالا ومدلولا...
غلب على قصائد بسمة الحذيري الطابع التأمّلي الوجداني والميل إلى البوح العميق في شؤون الحبّ وصوره المتناقضة معتمدة آليات فنيّة متنوّعة منها اعتماد القصيدة العموديّة في بحورها الخفيفة وطاقاتها الإيقاعيّة الثريّة وتنوّع الفنون البلاغيّة والقصيدة الحرّة بمفارقاتها ورموزها
:تقول الشّاعرة في قصيدة أسمى المشاعر أن تحبّ :"يا نبض قلبي ما دهاك مولولا*** تتسارع الدقّات فيك و تكثـــــــر
ويطول ليلك والعيون نواعـــس*** و يجيش وجدك في دمي ويسافر
تتلاحق الأنفاس منك أسيــــــرة ***بين الضّلوع جريحة تتكسّــــــــر
من أين آتي بالتعقّل أم تـــــــــرا*** ني أسكن الإحساس فيّ وأقبــــر
بل كيف أكتم خفقة الإحساس إن ***هتفت وأخفيها لمَ أتستّـــــــــــــر"(ص 18 )
ومن الواضح أنّ الشّاعرة قد اطّلعت على شعر الحب في التّراث الشّعري العربي انطلاقا من شعر الغزل في القرن الأوّل للهجرة إلى العصور اللّاحقة فاستدعت المعاني التي عالجها الشّعراء كالشّوق والانتظار والوصل والهجر والبين وكذلك المراوحة بين إخفاء المشاعر والتّصريح بها بلغة متواصلة مع عصرها ومعايشة لواقعنا اليوميّ....
وهي أيضا مطّلعة على تجارب رموز شعراء الحبّ في الشّعر الحديث مثل نزار قبّاني ....تقول الشاعرة في قصيدة : حلم مصادر وهي قصيدة من نوع الومضة:
وأعود ككلّ نساء القبيلة
إلى خيمتي
وأكتم صوتي
وأمضي إلى حلمي
تدوس سنابك خيلك شوقي
.(تصادر حلمي..(ص64
وتعكس تجربة الشّاعرة في جلّ قصائدها تناقضا بين رؤيتين متباينتين ،..
في الرؤية الأولى نتبيّن سعة البوح والحلم والحب وهي رؤية ترتبط بالأنوثة وقدرتها على العطاء والتّضحية
فتتعمّق الشّاعرة في كشف اعترافاتها في الممكن والمتاح موظّفة معجما غزليّا مراوحا بين التّصريح وبين التّرميز ...
أمّا الرؤية الثّانية فهي توصف بالضّيق والخيبة وضبابيّة الصّورة
لذلك تميل الشّاعرة إلى المعجم الصّوفي حزنا وتأمّلا وبحثا عن ذلك الحبّ الذي لا يموت ، الحبّ الذي يكبر في الغياب...
.تقول الشّاعرة في قصيدة البعث:
"نعم..إنّني عاشقة
أحلّق فوق غيوم السّماء
وأسبح في دافقات الأماني.
..أسافر
عبر فضاءات حلم
جميل...جميل
و أدرك أنّ منى الحلم يمضي
( قصيرا...قصيرا..."(ص 106
إنّها تراتيل الشّاعرة بسمة الحذيري ، تسائل الممكن والمستحيل وتنهض بمعاني الحبّ في صوره المتناقضة كما يولد في وجدان الأنثى وكما يسير في الحياة انتصارات وخيبات...
ويظلّ الحبّ مرتبطا بالحريّة ، بالبوح الانساني لتجاوز كلّ إحساس بالانكسار والهزيمة...