|
|
|
|
|
||||
| هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
|
قراءة في ديوان «المشكال»
حسن جلنبو* ديوان شعري جديد للدكتورة إيمان عبد الهادي، ضمن سلسلة «إبداعات عربية» التي تصدرها دائرة الثقافة بالشارقة، 2023، يقع في 118 صفحة، ويضمّ 21 قصيدة، منها ثلاث قصائد مطوَّلات تكاد تشكِّل أكثر من نصف الديوان، ثنتان منها قصيدة تفعيلة «أوقفني في اللغة»، وتقع في 16 صفحة، وهي على تفعيلة ممزوجة تراوح بين تفعيلتي البسيط: مستفعلن وفاعلن، وتسير في تناغم مدهش ولافت للانتباه، وإيقاع موسيقي بديع على شكل مقطوعات تنتهي كل مقطوعة بالفاء المضمومة، وتُجسِّد القصيدةُ صورة الشاعرة نفسها، وكأنها مرآة تعكس صورتها للقارئ بوضوح: وصورةٌ لك عذراءٌ مقايضةً مع الغياب.. أراجيحٌ معلّقة في سهوها تتحدى الريح.. طائرةٌ بلا جناحينِ من غيم ومن ورقٍ تمثلت لك أرضُ اللَّهِ واسعةً مُرَاغَمَاً فلماذا تشرئبُّ إلى خيطَيْ دخانٍ توارت فيهما السُّدَفُ؟ الوارثُ الضُّوءَ عَن إِيمَاضِ كَوكَبِهِ والمتلف الشَّوقَ فيما يَحْسُنُ التَّلَفُ والمسكر الخمر في ذات وفي صفة والمُستَسِرُّ .. وعن سِر سَيَنكشِفُ الواثق العروة.. المتلافُ من حسدٍ والمستَظِلُّ وفي إشعاعِهِ الشَّرَفُ القصيدة المطوَّلة الثانية على تفعيلة الكامل بعنوان: (ضباب أبي/ في مديح الخفاء) وتقع في 21 صفحة، وكان بإمكان الشاعرة تقسيم الأشطر الشعرية لتتجاوز القصيدة 40 صفحة على الأقل، ولكن تكثيف السطور الشعرية يبدو أنه جاء لهدف واضح، يعكس تكثيف المعنى الذي تطرقه الشاعرة في رثاء المغفور له والدها، بنص جنائزي من الطراز الأول، تتناول فيه سيرة والدها الذاتية وكل ما يتعلق به من أناس وأشياء طوال مراحل حياته حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى. القصيدة المطوَّلة الثالثة في الديوان عامودية على بحر الوافر، بعنوان «نزهة المشتاق» وتقع في 85 بيتا، تتناول بلوغ الشاعرة عمر الأربعين، وتعرض سيرة ذاتية من نوع مختلف للشاعرة تستذكر فيها طفولتها وجدَّاتها، وتزدحم فيها الصور الشعرية والتناصات على نحو غير مسبوق: وجدتُ النفَّريّ يبيح سيري: يقول إذا وقفت أنا الذميل فكوني ساق أشجار الخزامي وغابة ما يُراد له الحصولُ إذا ما قلت «أوقفني» تجافى وشاخت في (مواقفه) الطلول وتكشف النصوص الثلاثة إلى جانب بقية نصوص الديوان غزارة في الاطلاع، وسعة في المعرفة، وقدرة على توظيف النص التراثي بمنظور جديد على نحو بديع يعكس ما ترمي إليه الشاعرة بمهارة عالية، وقد لا يكون ذلك مستغربا إذا ارتبط بتخصص الشاعرة، وتأهيلها الأكاديمي. ليس ثمة ما يشير إلى سبب التسمية في الديوان، ولكنَّ معنى مفردة «مشكال»، وهي (آلة تشبه المنظار، تعمل على عكس الأجسام والألوان والضوء من الجهة المقابلة للجهة التي ينظر منها الرائي)، هذا المعنى يكشف للقارئ بعد انتهائه من القراءة سبب اختيار هذا العنوان للديوان بحيث تجتمع النصوص معا لترسم ملامح صورة متكاملة للشاعرة بدءا من نشأتها وتعليمها وعلاقاتها بأقاربها وعائلتها وعلى وجه الخصوص والدها وجدّاتها، وكأنها تريد من هذه التسمية إلقاء الضوء عليها بشكل واضح، لتكون قصيدتها هي أداة التعريف التي تشير إليها جيدا. يمتاز الديوان كما أسلفت سابقا بتوظيف المفردة التراثية والدلالة التراثية بمنظور معاصر، من خلال تناصات فريدة، وكثير منها غير مسبوقة في شعر المرحلة الحالية، وتتطلب عودة القارئ للبحث عن الدلالة التي تتقصدها الشاعرة من خلال توظيف الرمز الموروث، حيث تطالعنا في الديوان منذ بدايته قدرة واضحة على توظيف الموروث واستيحاء رموز تراثية تدعم الفكرة، وتُكسب النصّ قيمة فنية عليا، ومن رموز الديوان: (هُبَل/ قميص يوسف، والخبز والخمر، والذئب، والبئر/ الكبش، التوت/ الجاحظ/ رمز ذات النطاقين/ نخلة مريم/ كربلاء/ الطوطم القمريّ/ ديوجين/ الطوفان/ الفينيق/ السنابل/النفَّريّ/ الوادي المقدس/ النقشبندي/ ابن سينا/البحتري/ابن رشد/ الغزالي/ بنات نعش/ ليلى والذئب)، وغير ذلك الكثير مما لا يتسع له المقام. من قصيدة (ضباب أبي/ في مديح الخفاء) اخترت لكم هذه المقطوعة: ماذا تبقَّى؟ الزَّهرُ .. والآيات حينَ تَزيحُ غرَّتَكَ القليلة تحمل المنديل .. تمسح ما تفصّد من بخورٍ.. خفّك الشتوي .. حلوى الخوخ.. قمصان الخروج .. وسادة المتهجدين.. النقشبنديّ.. ابن سينا .. ظلّ دمعتك القريبة عبقريتك .. الرياضياتُ خبز التوست.. قبَّرةٌ على شَجَرِ المدارس.. جمرة الذكرى... فناؤك في السجود. البحتريّ.. الحزن من توديع جدي قبل عشرين احتمالا .. سورة الإنسان.. أحلام الفتى المدعوّ جوعاً: «آخر العنقود» - بالعنب الذي في جنة الآلاء إيماءُ السنونو «إنَّ في عينيك بحراً ... صوتك المحنيّ من أثر الخشوع الإبتسامةُ.. قوس خدّكَ... إبن رشد والغزاليّ: (الحقيقة ما أراه وما يراه الآخرون معاً) رجوعك من صلاة الفجر سرباً من قطاة .. سِرُّكَ المخبوء عندَ اللهِ.. سَيرُكَ في الحوائج.. سبرُكَ المغزى.. سريرك لا ينام.. سرورك الآنيّ.. سروتك الطويلة.. سُرَّةُ الكون التي مَخَضَتَكَ.. أسوارُ الأبوَّة والبنوَّة... أنفُكَ الصلب النبيل.. تلألؤ الأسنان مثل (بنات نعشٍ).. بؤبؤ الأطفال في عينيك .. جبهتك العريضة.. شعرك المعقوص... نظرتك الشريدة كالمنافي.. حكمة المتأملين البيتَ والأوطانَ... رمشٌ فوقَ خدِّ الأمنية كشفُ المُخبأ في الرؤى والأقبية لم يبقَ إِلَّا نَوْرُ طيفٍ من جهات الغيب يشبه جدتي البيضاء.. مسبحةٌ.. رؤى كالخيل تصهَلُ (ليس يسمعها سواك، ولا يراها غير من فهموا معادلة الشعاع) وعمرك النسبيّ يرحل في المؤبد منه .. ماذا سوف يبقى؟ كل شيء ... نزفُ خطوتك الوئيدة تحفر القطرات فوق الدرب: آهٍ يا غريبُ... بذارُكَ اللاتي نثرت؛ تمددت في الأرض إذ واروك توشك أن تعود إلي في شكل اعترافٍ أخضرٍ ويداك تنتشران ... تُصبِحُ غابةً وأنا أضيع كأنني ليلى بثوبٍ أحمرٍ كالحبّ أو كالدمّ أشبه جدتي في قصة الذئب الذي يذر الحساءَ ويأْكل الإنسانَ إِنَّ الذئبَ عارٍ في الحياة وإنه في الموت مكتملُ الفِرَاءِ وليس يشعر بالصقيع وقد دنا للقبر مثلي.. إنني بردانةٌ خُذني !.. أنافح عن ذماركْ. * شاعر أردني مقيم في الإمارات جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الجمعة 22-12-2023 07:33 مساء الزوار: 156
التعليقات: 0
|
