|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
أبجدية التجلي في شعر "نبيلة حماني" الدكتور جاسم محمد صالح
عاشقة الصحراء:الكتابة عند شاعرة متميزة ك "نبيلة حماني "تتطلب الغور في تجربتها الثرة مع أكثر من مجال :صورة ’خيالا ’لغة ’ تعبيرا ’ نسيجا شعريا ’رؤيا مستقبلية ..تقول الشاعرة :"إنك حللتني’فكنت د فق رواء.. عاشقة الصحراء :أتدري أني علقت فتنة بعينيك ..وركبت صهوة الليالي ’ لهبا شب فيك حتى الوريد .. ثم أبحرت إليك من كل المراسي.." أية استعارة ؟ وأية صور مجازية تتدفق أنهارا في ثنايا أسطرها الشعرية وقصائدها ’ أي خلق للصورة ورسم لها بالحروف والأخيلة لا بالألوان والخطوط ..هذه هي حقيقة ووظيفة الكتابة الشعرية التي في عمقها تفجير للذوق الكامن وإعادة مكنونه بالخيال الخلاق ’ ذلك الخيال الذي نسعى لإعادة إحيائه ورسمه من جديد ..حتى لكأن القارئ عند الإقبال على نصوصها يحس وكأنه أمام هندسة جديدة للأشياء والموجودات وفق نظام ورؤية مبنية على ترابط الأفكار ووضوح الصورة والتسامي في بناء أركان أمسى عرضة للانهيار فبات المبدعون بشتى مشاربهم والشاعرة منهم يحاولون ترميم تلكم الفجوات بالرؤى والصور والتفكير .. لغة الشاعرة نبيلة حماني في قصائدها هي لغة رصينة مبنية على عمق الإدراك ودقة الوصف ’ فمن يقرأ مجمل قصائدها يذهل للقدرات اللغوية المبثوثة في حنايا النص ..لغتها تعبر عن الحاضر والمستقبل وهي بنكهة الحداثة وأصالة الماضي من حيث التطابق والتوافق ...لغة تجبرك على التفكير وعلى استرداد المخزون اللغوي..هذه السمات المتميزة والفريدة تختص بها الشاعرة وترقى فيها ,,تهندس الخيال وتبني الصور وتخلق عوالم متفردة بالدهشة والجمال ..الأمر الذي لا نجده عند الكثير من المنتسبين للشعر .. بعد قراءة العديد من قصائد الشاعرة والتامل والتحليل وجدت نفس شعر صوفي ينتشر في ثنايا الحروف والكلمات ولكأني كنت في حديقة من الشعر الصوفي حيث ذكرتني بفريد الدين العطاء في "منطق الطير" وبحافظ الشيرازي في "أغاني شراز" وبحافظ الدين الرومي في ".................."إضافة إلى نكهة سعديوالحلاج وابن عربي والسهروردي..حتى أن نكهة بعض الشعراء المعاصرين كالبياتي ونازك الملائكة وجبران خليل جبران وصلاح عبد الصبور ..كل تلكم النفحات الصوفية المضمخة بالتجلي والحلول ’ حتى لكأنها صوفية المغرب العربي ..صوفية تتماهى وتتماوج مع شعراء التصوف المشارقة ..فهذه الابتهالات قلما توجد عند شاعرات أخريات في العصر الحديث ... امتازت شاعرتنا بتمكنها من هندسة القصيدة هندسة فريدة ’ فيها مزج متنوع بين التراث والمعاصرة ’ فيها آفاق واسعة ورحبة من الواقعية الممزوجة بالخيال ..تبهر القارئ من الوهلة الأولى ..وبعد التعمق أكثر في بنائها الفني ستكون متابعا وقارئا نهما لكل الصيغ والطروحات التي تتناثر في كون القصيدة وعوالمها وسماواتها السبع ’وهذه سمة الشاعر المبدع المتمكن من آلياته الشعرية واللغوية يعد الاعتزاز بالتراث والموروث ’ والاعتراف بفضل الأجيال التي مضت على التي تعيش الآن وغدا ’ فالزمن بكل لحظاته هو تواصل حقيقي بين الماضي والحاضر والمستقبل ’ هو تداخل لا انفكاك له بين هذه الحلقات الثلاث المتداخلة وهذا المشروع المتكامل وجدناه صدقا مشروعا كبيرا في مجمل قصائد الشاعرة "نبيلة حماني "فكان حضور واستلهام للأسطورة ببعدها وعمقها ومدلولها سواء أكان ذلك الاستلهام واضحا أو رمزا أو اشارة وكناية ’ وكأنها تريد أن تقول لنا : من ليس له ماضي ليس له حاضر ولا مستقبل ..فهو غير موجود إذا كان الشعر مرآة عاكسة للروح التي تبدعه ’ فإن ذلك يبدو أشد وضوحا مع شاعرتنا التي نثرت شعورها ورغباتها ومعاناتها على صفحات قصائدها ’ فمن أراد معرفتها معرفة جيدة عليه أن يكون قارئا لها ’ يقرأ السطور حرفا حرفا فيفهم ويعي ما بين السطور والحروف ’فهناك نكهة مخفية في القصيدة لا يدركها إلا من كان صادقا في رؤاه ومسعاه .. وقد برعت الشاعرة وبشكل غير عادي في طرح ما تريد في ثنايا حروفها ..وهذا النجاح والتمكن لم يأت اعتباطا وعفويا ’وإنما جاء من خلال جهد فكري غير محدود مع كل الأحداث التي أرادت تجسيدها سواء كانت معاناة ذاتية أو تجسيدا للخيال ومعاناة الآخر .. التعبير عن الذات الفردية هو فن وقدرة وتمكن خاصة عند الرغبة في الإبحار في العمق وكشف تلكم الكنوز الدفينة ’ فمن خلال لمجمل قصائد الشاعرة عرفناها جملة وعرفنا صنوف التعامل مع الذات بشفافية ونقاء حتى لكأنها تشاركنا أحاسيسها ومشاعرها وتشوقاتها لغد أفضل أزهى وأبهى من ماض لم يخلق لها ’ فالذات المبدعة والروح التي تتجلى فيها عبرت عنها من خلال القصائد والعناوين ..فهي امرأة ولكن ليست كبقية النساء ’ وهي روح ولكن ليست كبقية الأرواح ’ وهي إرادة ولكن ليست كبقية الأرادات ’ إضافة إلى أن مجمل قصائدها وما انطوت عليه من مشاعر جياشة وفيوضات لا مرئية ومناجاة تفهم ولا تقرأ ’ كل ذلك هو شكل وبوضوح الصورة المتميزة لهذا الصوت الشعري القادم رحم الحضارة والتاريخ والتقدم . ليس غريبا أن يكون المبحر في خضم العواصف معانيا لتوقفات وربما لوقفات تطول أحيانا وتقصر حسب الظروف والواقع وكما قال نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زارا":(وسط الشواظ يولد الانسان المتفوق) كان كلامه هذا إيذانا بولادة مبدعين من شعراء ووروائيين ورسامين ومفكرين يعيدون بناء العالم المنهار وهندسته من جديد ..و"نبيلة حماني "هي واحدة من أولئك الموعودين الذين بشر "نيتشه" بولادتهم فقد جلت كثيرا من الصدق والنقاء والطيبة ونكران الذات وذلك كله كامن في قصائدها التي عملت على نسجها وبنائها مما توفر لها من مخزون لغوي ومعرفي وتألق روحي وتربوي حصلت عليه من خلال سعيها المتواصل والحثيث لان تقدم شيئا لم يقدمه أحد من قبل ’ لهذا فإن مشروعها الابداعي تطلب منها تقديم الكثير من التضحيات وقد حققت ما أرادت . لا أريد أن أمنع عنكم قراءة الديوان من خلال هذا التقديم له ’ فهو بحر زاخر بالعطاء الشعري الخيالي الخلاق والمعرفي ’ وهو يحتاج قراءة هادئة متأنية ’ وخيال خصب ’ وتذوق شفاف من القارئ لترى عيناه تلكم المفردات الدفينة في الرؤيا وفي المعنى ’ الشاعرة عبرت بكل وضوح وذكاء ’ وسجلت اسمها بلون واضح في قائمة المبدعين العرب في العصر الحديث ’ فهنيئا لها على هذا الفيض من العطاء المتواصل ومبارك لقرائها الذين سيقرؤون شعرا تمنوا قراءته فوجدوه عندها بغداد 28/10/2014 الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الثلاثاء 04-11-2014 06:57 مساء الزوار: 1904
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
«اليركون» لصفاء أبو خضرة... بناء ملحمي ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 04-07-2024 |
الخطاب المزدوج في «قطة شرودنجر» لسامية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 01-09-2023 |
قراءة في رواية( عشرُ صلواتٍ للجسد) ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 24-07-2023 |
لمحة عن كتاب «سحابا ثقالا» للكاتبة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 04-06-2023 |
دراسة التحليلية لقصيدة أمي للشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 16-05-2023 |
«جسر بضفة وحيدة» لهيا صالح وإشكالية الحب ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-10-2021 |
«لمحة عن كتاب» أفكار وأحاسيس أنثى ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 21-10-2021 |
«وشوشات الياسمين».. بـــوح الــذاكــرة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 26-06-2021 |
(أَعْشَقُنِي) باللّغة بالفرنسيّة بترجمة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 02-05-2021 |
الدكتورة أمل بورشك تثني على "رصيف ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 18-12-2020 |
قراءة بقلم د.وليد جاسم الزبيدي ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 12-07-2020 |
دع أبجديتي تحيا ... (ومضات على مقالة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 24-06-2020 |
قراءة نقدية من الشاعر و الناقد المصري ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | الخميس 14-05-2020 |
قراءة في قصيدة "هنيال الكصب" ... | النقد والتحليل الادبي | إدارة النشر والتحرير | 0 | السبت 14-03-2020 |
التّحليل النّفسيّ لرواية (أدركها ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 07-03-2020 |