|
عرار:
شاعر يوقف القارئ في مهبّ الأبعاد، يرى القصيدة الخلاص الأوحد المنقذة من الوجود المندحر والخلق المنحدر. الشّعر إكسير الخلود ورؤيا وهو القائل : "لي نظرة لمكان السّر نافذة يعترف أنه متعلّق بتلابيب الخالد الابديّ الذي قد ينفلت عن اللّفظ والوزن ليكون إيمانا راسخا بكلّ نبيل. فهو الذي يقول في سياق مغاير : تَعَلَّقْتُ بِالخَالِدِ الأَبَدِيِّ // وَمَا فِيهِ يَكْمُنُ مَعْنَى الخُلُودْ .وان توهّمنا أن الشّاعر قاصر عن حيل البلغاء يأتيك ردّه سريعا : "وانا المجاز وأمّه وأبوهُ "لكنّ شعري كالمحيط ..ومَنْ يُحِطْ علما به مهما روى راووهُ" وهو في بيت آخر يقول : هي قدرة الشعر على إنقاذنا من وحش الامّحاء ،نوع من العصف والعذاب والضّنى. لا يحدث بالضّرورة الفجوة البلاغيّة ولاهزّة الإطراب يبتعد عن شعوذة اللّفظ. والغواية البيانيّة. المهمّ أن يلوذ بسؤال من تغريبة جواب في رؤية إنسانية رحيبة وانشدادا إلى إنسان عربي قوانينه جزر بعد مدّ وانحسار بعد انتصار في زمن الغافلين عن الهدى الراكضين بحلبة الشّيطان.فنصغي إليه وهو يردد : هَذَا زَمَانُ الغَافِلينَ عنِ الهُدى // الرَّاكِضِينَ بِحَلْبَةِ الشَّيْطانِ قصيدة حواريّة: داخل مصراعي القصيدة تنشأ الملحمة ثم المأساة ويبقى الوجود الجميل مؤمّلا يعتريه القبح وان أبحرنا على متن الكامل ورويّ الحاء المفتوحة على البوح .. يأتينا صوتها كهواتف الغيب. تتداعى الأوامر على لسانها نصحا تتوزّع الأقوال بين خبر وإنشاء ،فتختزن الحكمة. و تتّخذ طابعا استدلاليّا والحجة الأبلغ الواقع الفرديّ والجماعيّ .شاعر ملأ آفاق الأرض وطوّع الكلمات حتّى دانت له ، صيت ذائع ووجود بهيج يحفل بالملذّات فلا أقّل من أن ينهل منها قبل الغياب، أبقوريّة عهدناها ورغبة في اغتنام الفرص قبل الفوت .بكلّ الحجج العقليّة والواقعيّة ،لا تكون المدائح خارج أهازيج الحياة والاشادة بالذّات الرّامزة إلى الفعل الإنساني وقد بلغت الذّرى وحقّقت المطامح .أمّا الصّوت الذي يعوي داخلنا فيطلّ على مدارات القلق والرّعب. وتتعالى الصّورة الشّعرية عن المعقوليّة دون تعقيد كبير .. فإذا بالتّجسيم وجه الإدراك البسيط في حسّيته، مَازَالَ صَفْوُ العَيْشِ يَنْشُرُ ظِلَّهُ // فِينَا وَيَنْثُرُ حَوْلَنَا الأَفْرَاحا مَا زَالَ فِيْ قَدَحِ الحَيَاةِ بَقِيَّةٌ // فَدَعِ الهُمُومَ وَغَازِلِ الأَقْدَاحا قُمْ نَنْتَهِبْ مَا جَادَتِ الدُّنْيَا بِهِ // لَيْسَ المُتَاحُ عَلَى الدَّوَامِ مُتَاحا حَقٌّ لِخَيْلِكِ بَعْدَ طُولِ لُهَاثِهَا // أَنْ تَعْرِفَ النُّعْمَى وَأَنْ تَرْتَاحا لَمْ يَبْقَ فِيْ طُولِ البَلَادِ وَعُرْضِهَا // أُفُقٌ وَلَمْ تَنْشُرْ عَلَيْهِ جَنَاحا وَمَلَأْتَ أَرْجَاءَ الوُجُودِ قَصَِائِدًا // كَمْ كُنْتَ فِيهَا الطَّائِرَ الصَّدَّاحا أَوَمَا مَلَلْتَ أَمَا تَعِبْتَ مُطَوِّفًا // فِيْ كُلِّ رُكْنٍ تَنْشُدُ الإِصْلَاحا أَتَظُنُّ أَنَّكَ دُونَ غَيْرِكَ مَنْ لَهُ // أَلْقَى الوُجُودُ لِقَفْلِهِ المِفْتَاحا سَيَرُوحُ مَا قَدْ ظَلَّ مِنْ أَيَّامِنَا // مِثْلَ الذِيْ مِنْ قَبْلِهِ قَدْ رَاحا فَتَعَالَ نَقْطُفْ مِنْ ثِمَارِ غُصُونِنَا // الَّلوْزَ وَالرُّمَّانَ وَالتُّفَّاحا وَتَعَالَ نَرْشِفْ مِنْ خُمُورِ كُرُومِنَا // وَنَخُطُّ فِيْ سِفْرِ المُنَى أَلْوَاحا قفل الوجود والجناح قدح الحياة وبقاياها، علاوة على التّشخيص في استعارة المغازلة للأقداح وأنستنها. امّا الصّوت المشائم الرّاضخ إلى الحتميّات الخارجيّة ..فقد عوّل على الرّمز الطبيعيّ الاطلس والأسطورة سيزيف تتزاحم متناوبة كمرايا متناظرة إنارة عن الذّات المفجوعة في وجودها. مشروع الكيان معطّل .يتّصل الرّمز بما ترسّب في أقاصي الذات من عذابات. شعر بدرجة فلسفة يقودنا إلى تشاؤل بلغة إميل حبيبي فنبقى في الما بين على شفتي حلم وإكراهات واقع.. نحمل معه لعنة الشّعر في ارض النّبوءة و كأنّ الشاعر خدين الله اصطفاه لينير الكون ويجوس فيه على ظهر الرّيح حيث ياتي صوت الشاعر المثقل بأعباء الحياة ليختم الحوارية : فَأَجَبْتُهَا يَا لَيْتَ ذَلِكَ مُمْكِنٌ // هَيْهَاتَ تُطْلِقُ لِيْ الحَيَاةُ سَرَاحا قَدَرِيْ " كَأَطْلَسَ" أَنْ أَظَلَّ مُحَمَّلًا // مَا لَيْسَ عَنْ كَتِفَيَّ أَنْ يَنْزَاحا وَأَظَلَّ مِثْلَ "سِزِيفَ " أَدْفَعُ صَخْرَتِيْ // فِيْ كُلِّ آوِنَةٍ مَسَاءَ صَبَاحا أَحْيَا عَلَى قَلَقٍ وَأَرْكُضُ دَائِبًا // أَجْتَابُ أمْدَاءِ الرِّمَالِ رِيَاحا وَكَأَنَّنِيْ وَحْدِيْ الذِيْ هَتَفَتْ بِهِ الـ//ــدُّنْيَا لِيُشْعِلَ فِيْ الدَّجَى المِصْبَاحا فلسفة الأنوثة في قصيدة هسيس السّرّ: أرسى السّفن على شاطئ العشق مادام الشّعر يكتسب معناه منه ،فمنه ما به يكون فالمرأة كائن ورمز هي الحياة وكل ماتعني وعمره بالمختصر المفيد .. كما عبر عن ذلك في بيت له حين يقول : يدعوها الى أن تسود قلبه حتّى يمتثل الشّعر له ، فلولاها ما طار في الآفاق. تمتلك سرّ الكلمات وسحر اللّغة تداهم أنوثتها الطّاغية فتدكّ العروش .تبتسم الثّغور فتسقط اخر الثّغور. وفي الغزل يحفر الشّاعر كثيرا في ذاكرة الكلمات .فيكثر التّناصّ. يطالعنا في ترانيم ابن زيدون شاكيا جائر الحكم إنّي لأعجب من قساوة قلبه والجسم بضّ والاهابُ رهيفُ.. يلتحم بالنّموذج الأوفى في العشق في وصف العيون والقدود. ويستحضر في ثقافة موسوعيّة والمام بالموروث صور الأقدمين في الجمال والمعاناة وظلم الاحبّة. زُفِّيْ إِلَى عَرْشِ الجَمَالِ قَصَائِدِيْ // وَتَرَشَّفِيْ خَمْرَ الهَوَى بِدِنَاني لَا تَسْأَلِيْ عَمَّا أَثَارَ كَوَامِنِيْ // وَأَرَاقَ جَمْرَ الوَجْدِ مِنْ أَجْفَاني تِلْكَ الحِكَايَةُ مِنْ حَكَايَا الأَمْسِ مَا// زَالَتْ هَسِيسَ السِّرِّ فَوْقَ لِسَاني ما في السّر صمت مطبق أو هكذا يفترض. وفي الهسيس صوت وبعض صخب. يختار الشّاعر بعناية فائقة عتبة النص. فنتوجّل ونشتاق شوقا من النّفس مكين.. إيقاع البيت في انتظام تجانسا مع الجمال وتناغما مع الوجود .يختار صفة الكمال في البحر ورويّا مترعا بالأنا مشبعا بشيء من نشيج داخل الأوجاع المقدّسة أوجاع الحبّ. فقد تماهت المشاعر مع الذّات وصار الشّعر يكتبها منعتقة حينا رهينة محبسها حينا آخر. وليس الملمح الرّومنطيقي بمنأى عن شاعر ألبسه قوالب الشّعر وألقمه جوهر الشّعور. انّ الدّلالة تقوم على وحدة التّضاد غيابا و حضورا سعادة وشقاء وبين دفتي المعنى تنساب الكلمات مشكّلة ملامح العالم الأصيل البديل والمتدهور الواقع .جدليّة يحتكم إليها أي نصّ رومنطيقيّ .وحين يموسق العالم الطّبيعي بالرّؤى والأخيلة تنكشف متون الوجود بين الأنا والمكان والهي ملاذ الاحتراق وهدير الحياة ..محرقة بمعجم البكاء وتغريبة تطحن الذّات فتكون القصيدة في جزئها الأوّل إطلالة على الرّعب أو القلق نصغي له وهو يقول : بَوْحِيْ نَشِيجُ المَوْجِ فِيْ الشُّطْآنِ // وَصَدَاهُ رَجْعُ الصَّمْتِ فِيْ وِجْدَاني لُغَةُ الشِّفَاهِ تَخَافُ حَمْلَ مَشَاعِرِيْ // فَتَذُوبُ مِثْلَ الثَّلْجِ فِيْ كِتْمَاني مُتَشَرِّدٌ خَلْفَ المَسَافَاتِ التِيْ // تُدْنِيْ خُطَايَ لِحَمْأَةِ الحِرْمَانِ جَمْرُ الحُرُوفِ عَلَى فَمِيْ لَمْ يَنْطَفِئْ // وَبِأَضْلُعِيْ نَهْرٌ مِنَ الأَحْزَانِ وَيَدِيْ تُدَاعِبُ غَيْمَةَ الأُفُقِ التِيْ // تَبْكِيْ عَلَى أَلْحَانِهَا أَلْحَاني وَأَنَا نَسِيمٌ هَامَ مِنْ نَفْحِ الرُّؤَى // فَسَرَى بِخَطْوِ العَاشِقِ الوَلْهَانِ حَضَنَ الزُّهُورَ بِرِقَّةٍ وَلَطَافَةٍ // وَرَنَا لَهُنَّ بِعِفَّةٍ وَحَنَانِ غَازَلْتُ ثَغْرَ الوَرْدِ حَتَّى بَاتَ فِيْ // كَفِّيْ يُرَاوِدُنِيْ عَلَى إِحْسَاني وَالشَّمْسُ تَغْزِلُ مِنْ خُيُوطِ ضِيَائِهَا // بُشْرَى تُعِيدُ الرُّشْدَ لِلْحَيْرَانِ وَالمَاءُ يَجْرِيْ حَوْلَنَا فِيْ ثَوْرَةٍ // تَحْكِيْ جُنُونَ المُحْنَقِ الغَضْبَانِ وَكَأَنَّمَا قَدْ أَدْرَكَتْهُ غَيْرَةٌ // مِنَّا فَلَاحَ بِهَيْئَةِ الغَيْرَانِ وَالطَّيْرُ تَتْلُو مِنْ أَنَاشِيدِ الهَوَى // مُتَرَاقِصَاتٍ فِيْ ذُرَا الأَغْصَانِ وَاليَوْمَ هَا أَنَا هَا هُنَا وَحْدِيْ وَمَا // حَوْلِيْ سِوَى صَمْتِيْ وَجُرْحِيْ القَاني وَكَأَنَّ مَا قَدْ كَانَ حُلْمٌ عَابِرٌ // قَدْ مَرَّ فِيْ لَيْلٍ عَلَى الأَجْفَانِ لَا هَدْهَدَاتُ الأَمْسِ رَفَّ لَهَا فَمٌ // كَلَّا وَلَمْ تَرْقُصْ لَهَا قَدَمَانِ وَحْدِيْ وَظِلُّ الحُزْنِ عَشَّشَ فِيْ دَمِيْ // يَبْكِيْ عَلَى مَا انْهَدَّ مِنْ بُنْيَانِ من قانون الاتّساق يحكم البشريّ والطبيعيّ. في هذه القصيدة غابت التزاميّة المقدسيّات ومرارة الجمعيّ لتكون الذّات محور النّص والعالم تنحصر داخل أحلامها ورؤاها الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 22-02-2020 06:29 مساء
الزوار: 1368 التعليقات: 0
|