|
عرار:
عمان تدلّل البرقية التي بعث بها الشاعر الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين (1882 ــ 1951 الأمير حين ذاك، صاحب ديوان «خواطر النسيم»، إلى النجل الأكبر للشاعر أحمد شوقي (1868ــ1932) (علي)، بعد وفاته في الساعة الرابعة والنصف من فجر يوم 13 ــ 10 ــ1932 على مدى العلاقة الوطيدة التي ربطت بينه وبين شوقي فقد وصف الملك المؤسس شوقي في هذه البرقية المؤرخة في 26 جمادى الآخرة عام 1351 هجرية بـ «أعز أصدقائي، وأجلّ إخواني، وإني ممَّن يُعزى فيه» ويقول إنه إكراما لذوي الفقيد، فقد رأى أن يخطَّ كتاب التعزية بيده شخصيا، ويشير إلى أن أبناء شوقي كانوا ينتظرون مثل هذه البرقية للتعزية، بل ويحرص سموّه على التأكيد على نجل شوقي الأكبر «علي»، أن يبلّغ تعزيته إلى أفراد الأسرة فردا فردا، وأنا أعتقد أن هذه العلاقة نشأت في الآستانة حين كان شوقي يكثر من زيارتها، وكان الملك عضوا في مجلس المبعوثان (النواب) العثماني عن الحجاز، وأنهما كانا يلتقيان كثيرا هناك، وممّا لا شك فيه أن هذه العلاقة تعمَّقت، من خلال زيارات الأمير الكثيرة إلى مصر، ولقائه بالخديوي عباس حلمي، وتردّده على قصر رأس التين في الإسكندرية، عند سفره إلى الآستانة، قادما عن طريق البحر من جدة إلى السويس، كما ورد ذلك في مذكرات الملك عبد الله الأوّل، وكان شوقي يعمل في القصر رئيسا لقسم الترجمة كما هو معروف، حتى تقاعده من الخدمة في القصر الخديوي، عام 1919، بعد السماح له بالعودة من المنفى في إسبانيا، بانتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 ــ 1918) ثم دخوله لمجلس الشيوخ المصري ممثلا لمحافظة سيناء التي لم يزرها في يوم من الأيام، بالرغم من عدم وجود إشارات للباحثين والنقاد والدارسين تتناول هذا الأمر، وطبيعة تلك العلاقة مع الملك المؤسس، وبالرغم من خلوّ مذكرات الملك عبد الله من الإشارة لشوقي، ولقائه به، على النحو الذي أشار به لعلي يوسف صاحب المؤيد مثلا، الذي قام باستقباله مع نفر من خاصة الملك وحضورهم لحفلة في قصر الخديوي، لا يمكن لشوقي أن يغيب عن مثل هذا اللقاء أو تلك الحفلة بحكم عمله في القصر أولا وبحكم قربه من الخديوي ثانيا، وثالثا للعلاقة المميزة بين شوقي والملك المؤسس كما نصت على ذلك برقيته، ولعل من اللافت أيضا أن حفل تتويج شوقي بإمارة الشعر في عام 1927، الذي شاركت به وفود من مختلف الدول العربية، على مدى أيام عديدة، لم يشارك به وفد من شرق الأردن، والهدايا التي تلقاها شوقي وهي كثيرة، لم تكن بينها هدية من صديقه الملك المؤسس، وقد ورد ذكر تفصيلي للمتحدثين وأسماء الوفود المشاركة بحفل المبايعة لشوقي بإمارة الشعر، والهدايا الثمينة التي تلقاها شوقي في كتاب عبد الوهاب أبو العز، سكرتير شوقي الخاص، «اثنا عشر عاما في صحبة أمير الشعراء أحمد شوقي «، ولكننا بالرغم من ذلك كله، نستشف من هذه البرقية المعرفة الشخصية لجلالته بنجلي شوقي، علي وحسين وابنته أمينة، وأنهم أيضا كانوا يعرفونه معرفة شخصية، فهو يقول إن أنجال الفقيد يتوقعون منه التعزية، وربما كانت العلاقة بينهم علاقة عائلية، وصداقة أسرية، ولا يخفى علينا أن شوقي بحكم هذه العلاقة، قد رثى الشريف الحسين بن علي بقصيدته التي مطلعها: لك في الأرض والسماء مآتمْ قام فيها أبو الملائك هاشمْ أظن ذلك كان عام 1931 وفيها البيت الذي أشار للإمارة الفتية إمارة شرق الأردن الذي يقول فيه: وبنوا دولة وراء فلسطيـــن كَعاب العلا فتاة العزائمْ وهذه القصيدة هي من ثمرات هذه العلاقة، التي تحتاج للدراسة والبحث والاستقصاء، ولا نتوقع أن تكون مثل هذه القصيدة من شوقي، قد مرت دون توجيه شكر من سموه لشوقي عليها، بل ومن هدية سنية تبعتها مباشرة، ونحن نعلم أن شوقي لم يكن صاحب نزعة قومية عربية بل نزعته إسلامية ومصرية خالصة أو شرقية بشكل عام، والشريف حسين بن علي المولود في اسطنبول عام 1854 والمسجى جثمانه الطاهر في ساحة المسجد الأقصى 1931، قد ثار على الخلافة العثمانية بعد صعود حزب الاتحاد والترقي وتنكيله بأحرار العرب، هذه الخلافة التي كان شوقي يرتبط بها ارتباطا وثيقا، وبكى إلغاها مر البكاء، بقصيدته الشهيرة : عادت أغاني العرس رجْعَ نُواحِ ونُعِيتِ بيْنَ معالِمِ الأفراحِ ويبقى السؤال المهم لماذا لم يزر شوقي صديقه الأمير في إمارته؟ وهل وجه الأمير له دعوة بالزيارة أم لا؟ ولماذا لم يلبّ شوقي الزيارة إن دعاه الأمير؟ الذي كان ولا شك سيحتفل به كل الاحتفال، وقد طبّقت شهرة شوقي الآفاق، والأمير عبد الله كان حفيّا بكبار الأدباء والشعراء، حريصا على استضافتهم في بلاطه، من أمثال خير الدين الزركلي، وعبد المحسن الكاظمي، ومحمد الشريقي، وحمزة العربي، ونديم الملاح، ومصطفى وهبي التل (عرار)، وفؤاد الخطيب (شاعر الثورة العربية الكبرى )، وعبد المنعم الرفاعي، وغيرهم من أدباء العرب وشعرائهم، أعتقد أن الأمر كان متعلقا بشوقي نفسه، الذي لا يستطيع أن يغير من عاداته الشخصية في بلاط الملك، لو فعل وقام بالزيارة، فشوقي كان كثير الزيارة للشام ولبنان، وخاصة زحلة جارة الوادي، حيث يجد مساحة من الحرية واسعة هناك بين أصدقائه المسيحيين، الذين لا ينكرون عليه مثل هذه المسالك، وهذا أيضا متعلق بالعادات الخصوصية، التي أشار لها العقاد، في كتاب الديوان غامزا من قناة شوقي، فالملك المؤسس رحمه الله كان حريصا على أداء الصلاة في وقتها، ولا يميل إلى مجالس اللهو والطرب، التي لا يستغني عنها شوقي، إلى درجة أنه في آخر لحظاته قبل لفظ أنفاسه الأخيرة، أمر من حوله أن يبلغوا سلامه لمحمد عبد الوهاب، وتبقى هذه العادات أمرا خاصا بشوقي، لا علاقة لها بالحكم على إبداعه وتفرده، فشوقي لم ينازع في إمارة الشعر من أحد في حياته، وكان الجميع يدور في فلكه وعلى رأس هؤلاء شاعر القطرين خليل مطران، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وقد اشتركا في حفل المبايعة لشوقي وألقى حافظ إبراهيم قصيدته الشهيرة التي يقول في مطلعها: بلابل وادي النيل بالمشرق اسجعي بشعر أمير الدولتين ورجّعي وفيها البيت الشهير الذي يقول فيه: أميرَ القوافي قد أتيتُ مُبايعا وهذي وفودُ الشّعرِ قد بايعتْ معي وقد قيل أنه لم يعرف العرب بعد المتنبي شاعرا بحجم شوقي وبينهما ألف سنة وحسبنا هنا أننا قد أثرنا موضوعا لم يلتفت إليه أحد من قبلنا لعلنا نحرك بذلك ساكنا في دواخل الباحثين والدارسين والنقاد لمتابعته وإثرائه. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 27-04-2020 01:22 صباحا
الزوار: 1080 التعليقات: 0
|