|
عرار:
أن نجعل من ذكرى النكبة موعداً للاحتفالات وإقامة المهرجانات وإطلاق الشعارات هو بحد ذاته نكبة، وأن تصبح الذكرى لتبادل الاتهامات هو نكبة أخرى، وأن يبقى الانقسام، ويبقى الشعب الفلسطيني يتنفس برئة واحدة عوضا عن اثنتين هو أيضاً نكبة. ما كان في الخامس عشر من أيار عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين هو نتيجة لنكبة قبلها وليس سبباً لما أطلق عليه نكبة، بل هو حلقة من مسلسل النكبات وليس النكبة بعينها، فسلسلة النكبات لم تبدأ عام 1948 ولم تنته في ذلك العام. برأيي المتواضع أن الثاني من نوفمبر عام 1917 وهو يوم صدور وعد بلفور المشؤوم، كان هو أغنية الإشارة الحزينة لمسلسل النكبات، تلك الإشارة التي عزفها بلفور ورقص على أنغامها روتشيلد والتي أبقت أمتنا على المدرجات، تشاهد حلقاتها منذ ذلك التاريخ حتى الآن. لا استطيع، ولا يستطيع أحد غيري حصر جميع النكبات التي تعرض ويتعرض لها الشعب الفلسطيني، ففي كل لحظة يسجل التاريخ لهذا الشعب نكبة جديدة، فموضوع حصر النكبات يحتاج إلى مجلدات، لكن نستطيع القول إن البداية كانت مع الوعد المشؤوم، وأن النهاية لم تتضح بدايتها بعد. وما بين الوعد والموعد- وعد بلفور وموعد انتهاء الحلقة الأخيرة من مسلسل النكبات- وهذا ما لا نتمناه- قد يسجل التاريخ ألف نكبة ونكبة. وستبقى أحداث عام 1948 هي المؤشر الأكثر بروزاً كواحدة من حلقات النكبات، لما حصل في تلك الفترة من مجازر وخسارة للأرض وتهجير وتشريد.ومن البداهة القول إن القتل والتدمير والتشريد والاعتقال ومصادرة الأراضي وهدم البيوت والحصار، بدءاً بمجازر دير ياسين وقبية وكفرقاسم، وتدمير القرى والمدن الفلسطينية، ومروراً بتل الزعتر والهجوم على غزة، وما جرى في مخيمي اليرموك وجنين كلها نكبات، و من البداهة القول إن ما يجري في العالم العربي من نحر للذات وحروب أهلية، هو حلقة من حلقات النكبات على مستوى الأمة التي لها تأثيرها السلبي المباشر على القضية الفلسطينية، وأن النتائج السلبية لما يجري هي في الحقيقة مشاهد من مسلسل النكبات، على اعتبار أن انهيار أي حائط في البيت العربي هو نكبة لقضية العرب الأولى. جميل أن نتذكر وجميل أن نتوقف، لكن الأجمل أن نعتبر وتكون هذه المناسبة ومثيلاتها من المناسبات وقفات يعلن فيها القائمون على الشأن الفلسطيني العام خطوة عملية جديدة على طريق التخلص أو حتى التملص من جذوة الاحتلال. فمثلا لماذا لا يكون الخامس عشر من أيار لهذا العام يوم تصالح مع الذات؟ لماذا لا يكون موعدا لوقفة جادة للعمل على إنهاء الانقسام الذي قصم ظهر القضية الفلسطينية؟ لماذا لا يكون الخامس عشر من أيار موعدا لتفعيل المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس التشريعي ومشاركة الجميع في تحمل المسؤولية واتخاذ القرار؟ لماذا لا يكون الخامس عشر من أيار موعدا لعقد مؤتمر اقتصادي عالمي يشارك فيه المستثمرون العرب والفلسطينيون بالذات لدراسة آليات النهوض بالاقتصاد الفلسطيني ومحاولة فك ارتباطه مع الاحتلال كخطوة على طريق الاستقلال؟ أعتقد أن الفلسطينيين لا يحتاجون أن يحتفلوا ولا يحتاجون إلى من يحتفل بذكرى النكبات ويعدد على مسامعهم مآسيهم، أو يلقي عليهم خطبا مكررة عن النكبات أو النكسات لا يهم، فهذه وتلك يحفظها الأطفال. ما يحتاجه الفلسطينيون هو بارقة أمل تقودهم للحرية والاستقلال وخطوات عملية من الشعوب المحبة للحرية والسلام تتقدم بهم خطوة إلى الأمام نحو الحرية والاستقلال وإقامة الدولة المستقلة. يحتاج الفلسطينيون وقفة عربية وعالمية لوقف تهويد القدس وحماية باحات المسجد الأقصى ووقف الحفر تحت أساساته قبل أن ينهار. يحتاج الفلسطينيون إلى وقفة جادة مع الأسرى والعمل على تخليصهم من قيود الاعتقال. يحتاج الفلسطينيون لموقف دولي صارم وحازم لمنع تهويد ومصادرة الأراضي. يجب أن يبحث القائمون على الشأن العام عن أنجع الطرق التي تقودهم لغرس مفاهيم المواطنة الحقيقية، وغرس قيم التعامل المثمر فيما بين أبناء الشعب الواحد، والتخلص من اختناقات واحتقانات تأرق مضاجع الفلسطيني أينما وجد، فالتفكير في المستقبل ورسم خارطة طريق تصب في الهدف، أفضل من ندب الحظوظ، وخطوة عملية واحدة أفضل من كل الاحتفالات. الفلسطينيون بصوت واضح يقولون لن نتنازل عن حق العودة ولن نقبل بالتوطين. المصدر : الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 21-05-2020 12:24 صباحا
الزوار: 680 التعليقات: 0
|