|
عرار:
سناء الحافي لعلّ ما يجعل الشعر أكثر صدقاُ، ذاك الجسر الممتد بين المفردة و المعنى، وتلك اللغة التي تمارس على المتلقي فن التخييل على الحدث المفعول فيه بلغات متعددة .. فقد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أن علاقة الشعر بالدراما علاقة تنابذ، بانتقاله من طبيعته الشفوية إلى طبيعته الكتابية، ومن الوزن إلى الإيقاع، ومن البيت إلى القصيدة، ثم ينتقل تدريجيا من المفرد إلى الجمع، ومن الغنائي إلى الدرامي، ومن الشكل الفني البسيط والنمطي إلى الشكل المعقد والمتنوع، فتتعقد أمامه السبل أمام التجديد و التطوير البنائي .. لكن حين نقف أمام نصوص الشاعر اليمني محمد القعود ..نرى أن المشاهد تتربص بعمق شديد للفكرة ، و تطوّعها من خلال تنسيق جديد لبنية الايقاع الشعري و الشكل الفني .. القعود ...ظاهرة شعرية و أدبية، نبّه إلى خاصيته الدرامية الجديدة، ليخلق له عالماَ منفرداَ من الحكايا و الأسرار ، لا يفكّ شفرتها إلا هو ... ليحول عملية التلقي لدينا إلى احتفال يتمازج فيه الانفعال الموسيقي، بالانفعال النفسي بواسطة الألفاظ والمعاني والصور . و لم يقتصر القعود على النمطية في الكتابة الأدبيةبل تعدّاها ليخلق من الومضة صرخة مغايرة في القص و السرد ..معتمدا على مركزية الواقعية السردية، باللجوء إلى تقنية التكثيف الدلالي، واختزال الأحداث عن طريق السرد القطعي، والقصي، إذ من خلال كتاباته يتحول الموقف السردي إلى (نصيّة)، أو لنقل صدمة فنيّة، مليئة بمشاهد مجتمعيّة، تمثلها عددٌ من الأسطر لتصل في النهاية إلى ومضٍ، متعدّد القراءات، والتأويلات، وهو ما تهدف إليه الأقاصيص التي لها ذات المنحى السردي في نزعته الدرامية ... ويُقصد بالنزعة الدرامية أنّ «القصيدة تشتمل على أكثر من صوت»، أي أنها لا تقتصر على صوت واحد، أو تجربة مستقلة لشخصية واحدة، تستأثر بصوت القصيدة، فمن خلال انطلاق القعود في كتابته لتجربته السردية أو للقصيدة من خلال التفكير الدرامي يدرك أن ذاته لا تقف وحدها معزولة عن بقية الذوات الأخرى وعن العالم الموضوعي بعامة، وإنما هي دائماً ومهما كان لها استقلالها، ليست إلا ذاتاً مستمدة أولاً من ذوات، تعيش في عالم موضوعي تتفاعل فيه مع ذوات أخرى و تشترك معها في العديد من النقاط والتجارب...ليُصبح القارئ لنصوصه امتداداَ فكرياَ في الخطاب الشعري و السردي، و محورا تدور في فلكه الأبجديات .. ليصبح بذلك القعود أنموذجا عصريا و محايدا في الشعر و الكتابة السردية، اذ يضيء جوانب العتمة التي لا يدركها الآخرون ، كمن يفكّ سحر ما لا يدركه البشر العاديون ...من خلال الخيال الواسع و الحدس القوي إلى غياهب المكونات ، فيخلق من المفردة قيمة جمالية و فنية لا يراها القارئ العادي بوضوح ... وبالتالي يتضح لنا أن الشعرية عن محمد القعود ...ليست تجربة عادية ، بل هي شعرية لا ترتبط بزمن محدد، بل هي تجربة تقوم أساسا على مبدأ الثورة ضد الرتابة و العادات المنتشلة من الواقع المرئي، إنها باختصار ..شعرية التمرد و الكشف، و الخلق المستمر عن كيمياء الكلمة و الأشكال الجديدة في فوضى المجهول. المصدر: الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 29-05-2020 01:26 صباحا
الزوار: 921 التعليقات: 0
|