في السياق كان هذا اللقاء مع الكاتب الساخر يوسف غيشان:
• هل استنفد الأدب الساخر نفسه في ظلّ الجديّة التي يطلع بها علينا الربيع العربي؛ الذي ربّما يتطلّب أدباً (ساهراً) يربط ما استطاع بين هذه المتغيرات؟!!!
الأدب الساخر هو مادة جادة، ربما أكثر جدية من الربيع العربي ذاته، فالسخرية ليست مجرد تهريج أو مادة للتضحيك واستجداء القهقهات من المتلقي، بل هي أسلوب ..مجرد أسلوب لتسويق الفكرة والترويج لها وإدخالها في دماغ المتلقي ليتبناها ويدافع عنها. وقد استخدم شباب الربيع العربي السخرية من أجل هذه الغاية في تونس ومصر وسوريا واليمن، وحتى في ليبيا وفي كل مكان، وظهر ذلك في الشعارات والأشعار والهتافات والأغاني والرسومات.
الربيع العربي كان استكمالاً وتتويجاً لعمل الكاتب الساخر الذي يحمل جذوة الثورة في ظل الانهيار العام حتى تنهض قوى الشعب وتستلم القيادة وتنجز الثورة.
وسوف يظل الكاتب الساخر رقيباً على كل من يستلم السلطة ..يحذره من الانحراف ويسخر منه إذا انحرف، حتى يزيل عنه الهالة الثورية المزيفة ..ويقاتل من أجل أن تنهض قوى الشارع بثورة أخرى ..وهكذا سيكون دور الساخر دائماً ما دامت هناك مجتمعات بشرية.
• ماذا بعد (المؤخّرة)؟!.. أقصد مؤخرة ابن خلدون، وما يوازيها من كتب ناقمة أو ناقدة عند يوسف غيشان؟!
تقصد كتابي الذي أثار عنوانه إشكالاً (مؤخرة ابن خلدون) مع أن (مقدمة ابن خلدون) لم تثر مثل هذا الإشكال وتقبلها الناس في ذلك الزمان. وقد صدر لي بعد هذا الكتاب عدة كتب، كان أولها ما سميته (الأعمال الهاملة) وقد نشرت فيه جميع كتبي الساخرة السابقة، ثم أصدرت كتاباً ساخراً آخر بعنوان (لماذا تركت الحمار وحيدا).
وفي العام الماضي أصدرت كتاب (هكذا تكلم هردبشت)، ثم قمت بتحويل الكتاب الأخير إلى (سي دي) بصوتي حتى يصل إلى المحرومين من البصر وإلى الذين يفهمون اللغة العربية لكنهم يعجزون عن قراءتها.
• طالب في الرابع ابتدائي قال إنه يكتب الأدب الساخر!.. وشهد له أهله!.. متى تنتصفون لأنفسكم من هؤلاء يا كتاب الأدب الساخر؟!!
لست أنا ولا أهل الكاتب الساخر من يعمّده ساخراً ناجحاً، بل أن الناس هم الذين يعمدون الساخرين ، لأن الكتابة الساخرة مادة جماهيرية، وكلما كثر عدد القراء والمعلقين وكلما تأثر الناس بما يكتبه الساخر، كان الساخر أكثر نجاحاً، ولا تستطيع عائلتي ولا عشيرتي ، ولن أستطيع أنا أن أكرس كاتباً ساخراً ما لم يكن يمتلك مقومات تقديم نفسه للجمهور.
• أيّهما يتفوّق على الآخر في الأدب الساخر: الموضوع أم اللغة؟!.. لأن كتاب صحافة يفتقرون إلى الموضوع ويغيرون أواخر وأواسط الألفاظ فيضحك منهم الناس!.. أو عليهم؟!
الكتابة الساخرة ، في حد ذاتها - ثورة على البداهات التقليدية، ولا يمكن الفصل بين اللغة والموضوع والشكل ، لأنها جميعها مثل الإناء والماء والسمك الذي يعيش فيه، وكل واحد منهما بحاجة إلى الآخر.
التلاعب بالكلمات وإدخال العامية أحياناً هي أساليب لتشويق القارئ، لكن يجب أن يكون لديك ما تقوله لتوصله إلى دماغ وقلب القارئ ، وألا تحوّل النص الذي تكتبه إلى مجرد نكتة يضحك منها القارئ ولا يتأثر بها ، وهذا بحد ذاته جميل ......جميل أن تنجح في إضحاك الآخرين، لكنه لا يؤدي أكثر من هذه الرسالة ...الإضحاك.
• درستَ الفلسفة ومهتم بما يجري في المحيط الإعلامي على اتساعه!.. هل لذلك من خلطة موضوعية في مقالاتك الساخرة التي ترفد بها صحافة تأكل الأخضر واليابس من المقالات؟
درست الفلسفة وعلم الاجتماع، لكن مدرسة الحياة هي الأهم، إذ أن الكاتب الساخر هو ابن شوارع، بكامل ما في الكلمة من معنى..يفهم الحياة الشعبية ومصطلحات الناس وقضاياهم وهمومهم ويعايشها ويعاني منها ويسخر منها ليسمو فوقها ..شخصيا أحاول أن أكون مثقفاً عضوياً لا تقليدياً ....بمعنى أن انخرط في حياة الناس ونضالاتهم، لا أقودهم ولا أتبعهم بل أكون واحداً منهم أنيطت بي مهمة الكتابة الساخرة.
• آخر ما تشتغل عليه تأليفاً أو موضوعاً؟!
أكتب مقالتي اليومية ، إضافة إلى أنني أفكر بكتابة رواية ساخرة، وهو فن نفتقده في الأردن، حتى الآن، أنا أعاني الآن لأني أبحث عن السطر الأول من الرواية، وحالما أجده ستكتمل الرواية في شهر واحد على الأكثر.
• أنتم عائلة مثقفة بين الإعلام والسياسة والأدب!.. متى غادرتم مادبا؟!.. أقصد المكان لا الارتباط الروحي؟!
أنا لم أغادر مادبا وما زلت أعيش في ذات ال(244) مترا التي عاش ومات فيها أبي وجدي ووالد جدي ، وما يزال ارتباطي الروحي موصولاً، لا بل إني لا أستطيع أصلاً أن أبتعد عن هذا الحيز، لأنه مكاني الأليف الذي أقدر فيه على العيش والحياة.