أمل عقرباوي وبعض الخطى يحفظها الدرب، وبعض الكلمات يحفظها القلب، وبعض الوجوه خلقت للحبّ، وهذا هو صديقي أحمد أبو حليوة النابض دوماً بالمحبة، الذي أكتب له بحبر القلب. صديقي كنتَ تدعو دائماً إلى خلق بيئة رحيمة وإنسانية.. بيئة ثقافية وأدبية، وأنتَ الكاتب القاص والإنسان المحبّ المتواضع. ولمن لا يعرف أحمد أقول هو أنموذج من البهجة والطيبة والحب في حرف وروح، فهو الكاتب الذي يجيد التعبير الواضح والجميل في آنٍ واحد عن أفكاره وعواطفه وعن زمانه وعن مكانه وعن رؤيته للحياة والعالم، وهو الكاتب الذي يمتلك حساسية مرهفة قادرة على تحويل الكلمات المألوفة إلى كلمات تبعث على التفكير، وقادرة على أن تلهب العاطفة والشعور، وهذا جُلّ ما هو مطلوب من الكاتب، فهو كاتب يعيش في أعماق المجتمع لذلك فهو كاتب اجتماعي من الدرجة الأولى، وهو القاص المبدع من الفئة الأمثل، حيث استطاع بوعيه وذكائه أن يؤسّس بيتاً أدبياً استثنائياً واسعاً بشتى أصناف الإبداع التي تقام شهرياً فيه، ومليئاً بالحب كقلبه، وهو جديد في نهجه وفي موضوعه، كما أنّه لا يقدم ما يقدمه من عمق المشاعر ومغاور الأحاسيس فقط، وإنما ليكون ما يقدمه في محراب العطاء الإنساني، وفي إطار ما يحمله من أمل للنهوض بالمبدعين المبتدئين، جنباً إلى جنب في الإفادة من المحترفين في هذا المجال أو ذاك، وأجمل ما فيه عفويته في التعبير عن مراحل الحزن والشقاء والانتصار في حياته. لم تتوقف مسيرته ولم يتوقف إنتاجه الأدبي بالرغم من الظروف القاسية التي مرّ بها، إذ يعدّ أحمد أبو حليوة أحد أهم الكتّاب والقاصين في الأردن، بالإضافة إلى تميّزه على مستوى الوطن العربي كناشط ثقافي من خلال تأسيسه وإدارته لصرحه الإبداعي في منزله «البيت الأدبي للثقافة والفنون» وذلك منذ ثمانية عشر عاماً حتى الآن. كما أنّه يوغل مع ذاته الإنسانية كثيراً بحثاً عمّا هو مفيد ومعطاء، بل أكثر من ذلك لكي يكون نبراساً يحتذى به في هذا المجال. حقيقة قصتي مع أحمد النابض حباً كانت مليئة بالتفاصيل والمواقف والعبر والتجارب، بكلّ ما رافقها من تعب وقلق وخوف ومعاناة وشقاء وتساؤل، وبنجاحه في تجاوز محن عمره القاسي، فقد احتاج إلى همّة استثنائية، والأديب أحمد أبو حليوة بما وصل إليه، لا يمكن أن يكون غير ذلك، وذلك لأنه استطاع أن يقدّم ويكتب تجربة حياتية ثرية وعظيمة، كما أنّه يوثق كلّ ما يقدّمه من خلال الصور والفيديوهات على صفحته الفيسبوكية، لتكون شاهداً حيّاً على لحظات عيشه المؤثرة والتي لا يمكن أن تنسى. وصفوة القول... شكراً للكاتب أحمد على هذا البيت المتميز والمتفرّد، الذي يحتاجه الأدباء والمثقفون، وكم هي حاجتنا إليه وإلى مثله الكثير، فهذا القاص الإنسان رافقته لأعوام في البيت الأدبي وعلى المستوى الشخصي، فلم أره يوماً إلّا والابتسامة تعلو محياه، والكلمات الطيبات تصدر من شفتيه، وهو صاحب الحياة المليئة بالأدب والعلم، ومن له مجموعتان قصصيتان بارزتان «سعير الشتات» و»رجل آخر»، وهو الذي تزاحمت على حياته العوامل المؤثرة بدءاً بتسلسل حياته الفريد وبيئته الصعبة البائسة، مروراً بظهور موهبته الفطرية في الكتابة، ومن ثم نجاحه الكبير في مسيرته الثقافية. سألته ذات يوم: لو كنتَ وزيراً للثقافة ماذا كنتَ ستقدم؟ فأجاب بكلّ شفافية: لو كنتُ وزيراً للثقافة لحاولت أن أجعل من الثقافة فعلاً شعبياً قريباً من الناس، يشعرون أنّهم بحاجته إن لم يكن كلّ أسبوع فكلّ شهر على الأقل، كي يرمّموا أرواحهم من عناء نهارات طويلة وليالٍ أجهدها السهر والتفكير، كنتُ أعدتُ هيكلة المنتديات الثقافية التي تعدّ بالمئات وجعلتها بالعشرات، من يعمل يبقى ومن لا يعمل فليذهب، فأخفف من هذه الحمولة الزائدة التي تستهويها المناصب والمسميات والهبات والأعطيات والتكريمات، وأبحث عن المثقفين الحقيقيين الذين يدركون أنّ جوهر العملية الأدبية والثقافية والفنية أو لأقل الإبداعية برمتها بشكل عام هو الإنسان. وتبعته بسؤال آخر، وكم أثرت بي إجابته: ما هي أكبر أمنياتك في الحياة؟ أمنيتي أن أعيش آخر أعوام حياتي أنا وزوجتي وابني في مكان هادئ لا يعرفني فيه أحد بعيداً عن الشهرة والأضواء، معتزلاً العالم الواقعي للثقافة والمثقفين، بعيداً هناك، حيث لا أحد يعرف من أنا وما لي من ماضٍ، وحيث أحافظ على أداء صلواتي الخمس في المسجد، وأحرص كلّ يوم على الاهتمام بحديقة بيتي الصغيرة ونافورتها الجميلة، أمنيتي لا تتعدى هذه العبارة: أن أموت بهدوء وسلام، بعد ما كان لي من صخب العيش والأثر في هذه الحياة. نعم إنه أحمد أبو حليوة صاحب المسيرة الزاخرة بالنجاحات في الأمسيات الأدبية واللقاءات الثقافية والفعاليات الفنية والمغامرات المسرحية والمشاركات في البرامج الإذاعية والتلفزيونية والفيسبوكية. أحمد أبو حليوة السوري المولد قبل قرابة النصف قرن، الأردني الجنسية والعيش، والفلسطيني الأصل والوطنية الذي لا يختلف عليه اثنان، فهو دقيق في عمله مثابر في محرابه مغامر في فكره، يتصف بعقلية موسوعية وذاكرة فولاذية، فاسمه يعرفه كثير من أرباب الثقافة وغيرهم ممن تعاملوا معه، وأدركوا فطنته وخبرته وحكمته، فهو مبدع وظّف بيته وقلمه للدفاع عن قضايا العروبة، خاصة القضية الفلسطينية، وفتح بيته أمام الأقلام الأردنية والعربية، فأصبح بيته ملتقى بحق لكلّ المثقفين الأردنيين والعرب، وهو القامة والقيمة العالية الهمة التي رفعت لواء الالتزام بالمعايير الأدبية والثقافية، حتى بات واحداً من رموز الثقافة الأردنية الغراء وأحد أوفيائها.
المصدر: جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 25-02-2022 12:08 صباحا
الزوار: 717 التعليقات: 0