قراءة في كتاب «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» لفوكوياما
عرار:
مهدي نصير أنهيتُ قبل أيامٍ قليلةٍ قراءة كتاب فوكوياما الشهير والمثير للجدل « نهاية التاريخ والانسان الأخير» والذي صدر في أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة عام 1991 بنسخته الأمريكية، والمكون بترجمته العربية والصادرة في بيروت عام 1993 بإشراف الأستاذ مُطاع الصفدي من 350 صفحة تقريباً موزعة على خمسة فصول رئيسية هي على التوالي: أسئلة جديدة لمسألة قديمة، العهد القديم للإنسانية، الصراع من أجل الاعتراف «التيموس»، سقوط رودس، الإنسان الأخير. هذا الكتاب الدعائي لانتصار امريكا والغرب ونظامهم « الديمقراطي الليبرالي « كنظامٍ اقتصادي واجتماعي وانساني مطلق بعد انتصاره على النموذج الاشتراكي الشمولي كما يسميه فوكوياما. الكتاب خليطٌ عجيبٌ من أفكار افلاطون «التيموس» وكانط وهيغل «وهوبس ولوك منظري الليبرالية الانغلو *** ونية» ونيتشة وماركس ايضاً، جمع فوكوياما هؤلاء جميعاً - على تناقضاتهم الكبيرة - في بانوراما دعائيةٍ تحاول أن تجد للديمقراطية الليبرالية مرتكزاتٍ فلسفيةً في الفلسفات الغربية الكبرى «الاغريقية والكانطية والهيغلية والماركسية»، ويصل فوكوياما عبر هذا الخليط الملغم والسطحي لهذه الفلسفات وباستخدام الجدل الهيغلي باستخفافٍ والجدل الماركسي أحياناً وباستخفافٍ أيضاً والمثالية الكانطية أحياناً أخرى ويتوصل فوكوياما اعتباطياً إلى أن جدل التاريخ يقود إلى أن الديمقراطية الليبرالية الغربية هي النظام الأسمى الذي يسعى نحوه التاريخ البشري وهو الروح المطلق للتاريخ بلغة هيغل وهو نهاية التاريخ بلغة ماركس، ويعلق فوكوياما على ذلك وبفهلوةٍ لغويةٍ دعائيةٍ وصحفيةٍ أنه استخدم الأدوات الماركسية للوصول إلى نتائج غير ماركسية؟ فوكوياما يعتبر تناقضات الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية العميقة كالفقر والجوع والمخدرات والعنف الفردي والجماعي وعدم المساواة الفعلية والاضطهاد الاقتصادي والاضطهاد الامبريالي من الدول الغربية وامريكا لدول العالم الثالث غير الغربية وبطرق لاأخلاقية وسرقة وتدمير ثروات شعوب العالم غير الغربية، كل هذا يعتبره فوكوياما أعراضاً وأمراضاً بسيطةً يعمل النظام الرأسمالي عبر الديمقراطية الليبرالية وعبر التأمينات الاجتماعية الشكلية والناقصة لحلها والسيطرة على آثارها، ويدعو فوكوياما دول العالم غير الغربي إلى رفع راية الاستسلام واتباع النهج الديمقراطي الليبرالي كتابعين وليس كأسياد ليتم وقف اضطهادهم من الدول الغربية وأمريكا. في قراءته لمستقبل العالم والفوارق الكبيرة في التطور بين الدول الغربية المتقدمة الواصلة الى نهاية التاريخ عبر النظام الديمقرطي الليبرالي والدول غير الغربية «المتخلفة» الغارقة في صراعات التاريخ التي تجاوزها العالم الغربي حيث يرى فوكوياما أن العالم سينقسم إلى قسمين أولهما الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وهي دول ما بعد التاريخ « نهاية التاريخ « والتي وصلت إلى السعادة والانسجام الفردي والأمن التيموسي الأفلاطوني دون أي صراعاتٍ ذات نكهة تذكِّر بصراعات التاريخ البشري الذي تجاوزها هذا النظام المطلق للحرية – كما يدَّعي فوكوياما بتسطيحيةٍ دعائيةٍ ساذجةٍ ووقحة -، وثانيهما هي الدول التي ترضخ لشروط وصراعات التاريخ وتناقضاته وهي دول العالم الثالث والدول الأرثوذكسية والإسلامية والعربية وافريقيا والصين ودول جنوب شرق آسيا، وعلى هذه الدول أن ترضخ لسيطرة العالم الغربي وتقر بتفوقه وتسعى للإندماج به كتابع؟ هكذا يرى فوكوياما مستقبل العبودية التي سيفرضها على دول العالم غير الغربية. هذا الكتاب مليءٌ بالتناقضات والإسقاطات الذاتية والمواقف المسبقة والدعائية والمستندة شكلاً على خليطٍ غير متجانسٍ من الفلسفات الغربية وبقراءاتٍ سطحيةٍ لها وبتوظيفٍ لها لغاياتِ زرع المشروعية الشكلية لطروحات فوكوياما المتناسلة عبر دهاليز السياسة الأمريكية ومعاهدها وجامعاتها الموظفة للدفاع عن مركزية الثقافة الغربية المطلقة كهدفٍ أخيرٍ للتاريخ البشري. أيضاً في قراءاته المضللة للمقارنة بين تطور الدول المختلفة بما فيها الدول الغربية والدول المتقدمة من الدول غير الغربية والتي لا تتبنى النظام الديمقراطي الليبرالي ويستند في هذه المقارنات لأدبيات القيم في الدراسات الإقتصادية السائدة في الجامعات والمعاهد الأمريكية والمرتكزة على مفاهيم مضلله كالناتج القومي الإجمالي (GNP) والناتج المحلي الإجمالي (GDP) ونسبة دخل الفرد كقيمٍ للمقارنة تقيس مستوى الازدهار الاقتصادي والاجتماعي للدول، مع أن هذا المقياس تعرض للنقد الشديد حتى من بعض الأوساط الأكاديمية الغربية والأمريكية والتي تبين أن هذه المقاييس لا تعكس واقع توزيع الثروة الحقيقي بين طبقات المجتمع المختلفة ولا بدَّ لمعايير أخرى لقياس حقيقي للتقدم الاقتصادي والنمو للدول المختلفة. كان هناك مجموعةٌ من الومضات العميقة في ثنايا هذا الكتاب ربما كان أهمها عبارة فوكوياما التي وردت في إحدى الفقرات والمتضمنة أن نهاية التاريخ وولادة الإنسان الأخير هي أيضاً نهاية الفنون والإبداع البشري الذي انتهت التناقضات في المجتمع الديمقراطي الليبرالي والتي هي المولِّدة للفن والإبداع، كذلك وصفه بفقرةٍ أخرى ذكيةٍ وعميقةٍ أن الإنسان الديمقراطي الليبرالي « الإنسان الأخير « ربما سيكون عودةً للإنسان الأول الدموي والغرائزي والنَّهم للملذات الحسية. وكان هناك تركيزٌ كبيرٌ على مفهوم التيموس الأفلاطوني وصيغته الهيغلية « البحث عن اعتراف الآخر « كمحرك فعلي للتاريخ برأي فوكوياما كبديلٍ للمحرك المادي وصراع الطبقات والتفاوت الاجتماعي عند ماركس وهذا لعبٌ وعبثٌ في مقدمات ونتائج البحث والجدل الهيغلي والماركسي معاً، فهيغل لم يقل بنهاية التاريخ بل كان التاريخ عند هيغل صيرورةً دائمةً تولِّد دائماً تناقضاتٍ جديدةً في اتجاه روح التاريخ المطلقة والمستحيلة، كذلك ماركس لم يقل بنهاية التاريخ وانما قرأ التاريخ البشري ورأى أنه يتجه في تسوية تناقضاته نحو المجتمع الإشتراكي والشيوعي واللذين سيولِّدان أيضاً تناقضاتٍ جديدة. لا تخلو أمثلة فوكوياما التوضيحية من نكهةٍ دعائيةٍ وقحةٍ للإعتداءات الأمريكية على شعوب العالم وخصوصاً الغزو الأمريكي للعراق الذي وظَّفه كتيموس هيغلي- أفلاطوني يتولَّد ويُشبع في ظل الديمقراطية الليبرالية الغربية، نقرأ ص294 من الكتاب الفقرة أدناه كنموذج لمغالطات طروحاته وتعاليها: «في المصاف الأول، إنه في مجال السياسة الخارجية الذي يستطيع في إطاره الساسةُ الديمقراطيون أن يحققوا حتى الآن درجةً معيَّنةً من الاعتراف، الذي هو غير متوافرٍ بالفعل في مجالاتٍ أخرى. فالسياسة الخارجية كانت دائماً وتقليدياً المجالَ الأثير للقرارت الهامة وللصدمات المتعلقة بالأفكار الكبرى، حتى لو كان منظور التصادم اليوم منخفضاً بانتصار الأفكار الديمقراطية؟»، هكذا يتكلم فوكوياما بنشوة النصر الملوَّث والمشبوه للغرب على شعوب العالم غير الغربي وما مثَّلته من تحدٍ حقيقيٍّ للهيمنة الأمريكية والغربية على مقدرات هذه الشعوب، ويتابع فوكوياما في استعراضٍ شوفينيٍّ ص294 أن : « الحرب الأمريكية عام 1991 في الكويت «، (هكذا يسميها فوكوياما بإسقاط اسم العراق الذي دمَّرته الليبرالية الديمقراطية الأمريكية التي يتغنَّى وينظِّر لها) ويتابع فوكوياما أن: «الحرب الأمريكية عام 1991 في الكويت قد أظهرت جيداً أن رجلَ سياسةٍ كجورج بوش، مترددٌ وقليل الخبرة في السياسة الداخلية، يمكنه خلق حقائق جديدة على المسرح الدولي، وذلك بممارسة صلاحياته الدستورية كرئيسٍ للدولة وقائدٍ أعلى للجيش، (هكذا يعتبر فوكوياما غزوَ العراق وتدميره صلاحيةً دستوريةًلرئيس الولايات المتحدة سيد العالم الديمقراطي الليبرالي)، ويتابع فوكوياما بصلفٍ وتعالٍ: «وذلك بممارسة صلاحياته الدستورية حتى لو بلغت إخفاقات الرئاسة في خلال العقود الأخيرة حداً يَثلمُ معه هيبة الوظيفة إلى درجةٍ كبيرة، كان نجاحاً رئاسياً يتخذ شكلَ نصرٍ عسكريٍّ يؤدي إلى مستوى من الاعتراف العام لا يمكن للصناعي أو الملتزم الأكثر رَغَداً الوصولَ إليه، (هكذا يعتبر فوكوياما ممارسة العدوان شكلاً ليبرالياً ديمقراطياً لإشباع التيموس في الديمقراطية الليبرالية المنتصرة)، ويختم هذه الفقرة بقوله: «هكذا فإن السياسة الديمقراطية تستمر بجذب اولئكَ أصحاب الطموح لأن يكونوا المعتَرفَ بهم الأعظم» ص 294. كخلاصةٍ سريعةٍ: هذا الكتاب مجموعةٌ من الهلوسات والمغالطات الصحفية والأمنية والتي اخذت حجماً كبيراً في الحضور والدعم والانتشار في كل المحافل الأكاديمية والسياسية والعسكرية والأمنية في كلِّ أرجاء العالم ولإهدافٍ دعائيةٍ تتلبَّسُ لبوس البحث الأكاديمي والفلسفي.
جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 17-06-2022 10:59 مساء
الزوار: 463 التعليقات: 0