أحمد الكواملة «سعادة أبو عراق» صاحب تجربة إبداعية ثرية متنوعة، فلم يترك بابا من أبواب الإبداع إلا طرقه، ما بين رواية وقصة وأدب طفل وخيال علمي وشعر وفن تشكيلي وفنون الخط العربي وتعلمه، وفلسفة الفكر الإسلامي، وقد قدم في أغلب ذلك نماذج إبداعية متميزة. وهنا أحاول مقاربة مجموعته القصصية «ليلة العيد» وأول ما استغربه غلاف المجموعة، الذي تركه لدار النشر، غلاف تجاري، لم يضف شيئا لمجموعته القصصية. وقد اختار القاص سعادة أبو عراق مسمى إحدى قصصه ليكون عنوانا لمجموعته، وحيث إن العنوان يمثل عتبة أي كتاب، فكان من المناسب أنعام النظر في قصة «ليلة عيد». تتحدث قصة «ليلة عيد» عن عيد حقيقي هو عيد الفطر، وعن استعداد الناس عشية العيد وازدحام الأسواق بالمشترين والمتفرجين، وما يفيض في الأسواق من فرح الصغار. لقد استطاع «سعادة أبو عراق» عبر هذه القصة من وضع أصابعنا وقلوبنا، على حالة إنسانية قليل ما يلتفت إليها، حالة المرأة التي لم يهبها الله الولد، وعبر صياغة سردية مرهفة دالة، يكشف من خلالها حالات نفسية لامرأة غاية في التطلع والتعلق بأمل يكاد يكون كاذبا، وحالة من التمزق التي يكابدها زوجها وهو يرى مدي تعلقها بحلم الولد، بل مدى إمعانها في وهم حضور الآخرين إلى بيتها صبيحة يوم العيد. يقدم «سعادة أبو عراق» قصته بصياغات سردية، تراوح بين الراوي، وحديث النفس «المونولوج»، ينقلنا بسلاسة من حالة إلى حالة، ومن صورة إلى أخرى، عبر إيقاع جاذب، لا يترك للملل أن يتسلل إلى نفوسنا. من قصة «ليلة العيد» وفي تصوير لتنازع الفكر والقلب في دواخل تلك المرأة العقيم، وهي تفكر بما ستقدم للناس صبيحة العيد، وبسرد روائي وحديث نفس، وبتبادل أخاذ، حيث يقول على لسان الراوي: لا ضرورة للمعمول، ستقيم مع جاراتها حفلة صنعه، لكن ماذا لو منعها عارض؟ ينتقل إلى السرد عبر حديث النفس «المونولوج» حيث تقول: إذا سأشتري المعمول ثم يتحول إلى سرد الراوي: ولن تجد نفسها في موقع حرج حينما تقول: اشتريت من السوق، وتساعدهن تفضلا، ولكنها تخشى أن تقول احدهن، لمن تعمل المعمول؟ لا ولد ولا تلد. حالة من التعلق بحلم الولد، والتعلق بوهم أن لها من يهتم بها، يدفعها إلى تقليد الأمهات في الشراء، شراء ما يلزم والأكثر ما لا يلزم، حتى أنها احتاجت سيارة فارغة لحمولتها. وعبر حوار هاتفي بينها وبين زوجها، يقول الزوج: ولمن تشترين؟ لا ولد ولا بنت، فلماذا السيارة؟ شعرت بطعنة، لكنها وجدت بداخلها حصانة.. فطنت أن لها زوجا، ربما اعتبرته ابنا، هو أيضا مكلوم، فحاله من حالها ولذلك اشترت له ربطة عنق وقميصا يتناسب مع بدلته الجديدة، ولم يحل هذا دون استجابتها لتوق الأمومة الدفين في أعماقها فاشترت للطفل الافتراضي، حيث يقول الراوي: اشترت قميصا وربطة وحذاء أيضا، وبدلة سوداء رسمية، كانت تتمناها لولد لم تنجبه، من ربع قرن مضى. وصلت البيت، كومة كبيرة من المشتريات، قهوة سادة، فناجين، حلوى بأنواعها، قال زوجها: لماذا كل هذا؟ كانت تحلم توهما أن أقارب أو جيران سيحضرون صبيحة العيد وهي تعلم أن لا أقارب لها وأن الجيران لم يعد أحدهم يزور الآخر: ولكن لا أقرباء مقربين ولا غير مقربين. شاهد زوجها بين الأغراض لعبة قطار، فلم يفهم لها موجبا، غير انه يدرك شدة شغفها بالأطفال، وشاهد بدلة سموكن لطفل في السادسة، قال لها: لمن هذه البدلة؟ قالت وهي تضع الطبق دون ارتباك: إنها لابننا..! ابننا.. أين هو ابننا؟ صمت قليلا، وشعر بالاختناق، وانفجر في نوبة بكاء. سألته عن سبب البكاء، خجل من نفسه ومن ضعفه ويأسه، مسح دموعه، حين رآها تمضي وهي موقنة أن عندها ولد. تشتري له قطارا وبدلة ولديهم أقارب سوف يملؤون عليهم البيت صبيحة العيد. إنها التفاتة مرهفة من القاص «سعادة أبو أعراق» لمثل هذه النماذج الإنسانية المتشظية، والتي لا يلتفت لمعاناتهم إلا القلة. وهو بهذه القصة يعطي لعنوان مجموعته «ليلة العيد» مبررا لطيفا مقنعا. لا تخلو مجموعته القصصية «ليلة العيد» من تعبيرات شعرية ذات دلالة عالية مثل: فتيان يصطادون بنظرات وقحة، فتيات تومض منهن الأنثى، جميل هذا الفرح الدافئ في العيون، أصابتها حمى التسوق، على أديم المقبرة كل الناس محزونين، فنظراته لها خصبة عميقة. ببساطة بليغة يقدم القاص «سعادة ابو أعراق» تجربة قصصية جميلة ومؤثرة، وهو لا يفتعل تقنيات سردية مقحمة، إنما ترك النص يختار تقنيته بسلاسة ويسر، فسرد الراوي وبعض حديث النفس «المونولوج» كافيان لإيصال الفكرة، يحس المتأمل أن ما يكتب سعادة مرتبط بخبرات حياتية أو متخيلة لا تخرج عن الواقع، وكأنه يقدم لنا سيرة، أو تأريخا لما يكتنز من تجارب عريضة.