|
عرار:
غسان عبد الخالق: البلاغة خلاصة سياقها الموضوعي الذي ينبغي أن نختاره بعناية فائقة نضال برقان على الرغم من تصاعد الاهتمام بالبلاغة السياسية القديمة والحديثة، من منظور النقد الثقافي عمومًا والبلاغة الجديدة خصوصًا؛ فقد رزحت الدراسات العربية على هذا الصعيد وما تزال، تحت جملة من الموانع التي حالت دون بلوغ المراد من هذا الحقل الحيوي مثل: الاستغراق في الدراسات الجزئية المتباعدة، والتسليم بمقولات البلاغة الغربية الجديدة فضلاً عن ترديد مصطلحاتها دون توقف، حتى كادت المدوّنة البلاغية العربية الجديدة، تكون مخزنًا غربيا خالصا. وفي محاولة لتجاوز هذا المأزق، تصدّى الأكاديمي والناقد الأردني الدكتور غسان عبد الخالق عبر كتابه الأحدث (بلاغة السلطة؛ نحو مختبر تطبيقي في النثر السياسي العربي) لضرب أمثولة تهدف لتعريب مبحث البلاغة العربية الجديدة، ورفده بنموذج تطبيقي متكامل يمتد خمسة عشر عامًا من عمر الدولة العباسية، عبر مقدمة صريحة، وتمهيد أدان ما أسماه الرطانة البلاغية وعقدة الذنب البلاغية، وفصل أول مثل قراءة تحليلية في رسائل إبراهيم الصولي دفاعًا عن شرعية الدولة العباسية، وفصل ثان مثّل قراءة تفكيكية في كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ دفاعًا عن عروبة الدولة العباسية، وفصل ثالث مثل قراءة ثقافية في مقدمة (أدب الكاتب) لابن قتيبة دفاعًا عن بلاغة الدولة العباسية، ومختتم لم يدخر فيه عبد الخالق وسعًا لإيجاد التفسير الثقافي والحضاري المناسب، لانسدال الستارة على البلاغة العباسية المغدورة، فضلاً عن ملحق بلاغي اشتمل على مختارات من النصوص الرئيسة في النثر العربي القديم. الكتاب الذي جاء في (186) صفحة من القطع المتوسط، وصدر عن دار (الآن ناشرون وموزعون) في عمّان، أهداه عبد الخالق إلى نخلة البلاغة الباسقة التي ظلت تساقط عليه رطبًا جنيًّا. وصدّره ببعض ما قاله عبد الحميد الكاتب إلى الكتّاب: (بكم ينتظم المُلْك، وتستقيم للملوك أمورهم، وبتدبيركم وسياستكم يصلح الله سلطانهم، ويجتمع فيئهم، وتعمر بلادهم؛ يحتاج إليكم الملكُ في عظيم ملكه، والوالي في القدر السّني والدّني من ولايته. لا يستغني عنكم منهم أحد، ولا يوجد كاف إلا منكم؛ فموقعكم منهم، موقع أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصارهم التي بها يبصرون، وألسنتهم التي بها ينطقون، وأيديهم التي بها يبطشون). وقال عبد الخالق: ما أصعب أن نكتب في البلاغة السياسية، دون أن نمتلك الخيال السياسي المطلوب، والعكس من ذلك صحيح؛ فحتى نقبض على المجاز السياسي الدقيق أو الاستعارة السياسية المحدّدة، لا بد من تنفيذ كثير من التمرينات التي تتطلّب بحثاً مخلصًا عن نسق تاريخي متكامل أو مختبر نموذجي واقعي؛ لأن البلاغة ليست ضرباً من ضروب الانتقاء والعرض والتلخيص لنصوص ومختارات متباعدة -فهذه ورشة مدرسيّة عفى عليها وعلى أصحابها الزمن- بل هي خلاصة سياقها الموضوعي الذي ينبغي أن نختاره بعناية فائقة. وتابع: وبعد إجراء كثير من الاستطلاعات الشاقة على صعيد الخيال السياسي، والتدقيق في تفاصيل كل تمرين واستطلاع على حِدَة، وجدنا أن عهد الخليفة المتوكّل (232-247هـ) هو المختبر البلاغي المطلوب -شكلاً ومضموناً، وظيفة ودوراً، ذاتاً وموضوعاً-فهو يمور بمحفّزات التحليل السياسي، كما يمور بمحفّزات التنقيب عن المجازات والاستعارات السياسية الكبرى. وحرصاً منا على التأسيس المفهومي والتاريخي لهذا المختبر البلاغي التطبيقي، فسوف نمهد له بتحديد موقفنا من الدراسات البلاغية التلفيقية، ثم بإيضاح ما نقصده بالبلاغة في هذا المختبر، ثم بإيجاز رؤيتنا لصيرورة البلاغة العربية القديمة؛ بدءاً من العصر الجاهلي وصولاً إلى العصر العباسي، ثم بإيجاز فهمنا للشعوبية والزندقة، ثم بمقاربة شخصية المتوكّل المركّبة والمتناقضة؛ لنمضي بعد ذلك كلّه إلى تحليل رسائل إبراهيم الصولي السياسية في الفصل الأول، وتفكيك كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ في الفصل الثاني، وتنسيق مقدّمة كتاب (أدب الكاتب) لابن قتيبة في الفصل الثالث. وأضاف: من الملاحظ أن كثيراً من الجهود البلاغية العربية المعاصرة، قد وقعت أسيرة مركّب النقص والشعور العميق بالذنب، أمام المركزية الثقافية الغربية التي تأبى إلا أن تبدأ المعارف كلّها عندها وأن تنتهي عندها؛ فتراها تفتتح الدرس البلاغي الجديد بأرسطو وتختمه بما لا يُعدّ من منظري الأسلوبية والحِجاج. ومع ضرورة التنويه بأن الغرب مُحقّ في اتجاهه إلى إعادة بناء مفاهيمه البلاغية -في ضوء المستجدات المادية والمعنوية التي شهدها على كل الصعد- فإن البلاغيين العرب ليسوا محقّين في اتجاههم إلى لملمة أشلاء الدرس البلاغي العربي القديم، كي يثبتوا أن الجاحظ أو ابن قتيبة أو الخطّابي أو الباقلّاني أو الخفاجي أو الجرجاني أو الزمخشري أو ابن خلدون، قد لامسوا أطراف سجّادة البلاغة الجديدة؛ فهؤلاء جميعاً لم يتجاوزوا حدود التنظير الجزئي أو التطبيق الجزئي. وبدلا من الإمعان في مداهنة المركزية البلاغية الغربية -عبر الاجتهاد لترصيع جهودنا البلاغية الحديثة بمسميّات وأسماء أجنبية- فقد كان الأجدر بنا استكمال ما أنجزه القدماء بدءاً من النقطة التي توقفوا عندها. وبدلا من استقراء خطاب الجاحظ -مثلا- في ضوء المنهج الحِجاجي الغربي، فقد كان الأجدر بنا استقراءه في ضوء منهجه الكلامي. وهل هناك ما هو أكثر مدعاة للسخرية من استنطاق خطاب أحد قادة المعتزلة بأدوات لا تمت لسياقه التاريخي والثقافي بصِلَة ؟! أليست هذه المصادرة التي تلزمنا باستخدام أدوات أجنبية لتفهّم مدوّنة عربية هي المغالطة بعينها؟! ولأن كثيراً من جهود البلاغيين العرب المعاصرين، هي جهود دفاعية ومذعورة جرّاء الشعور العميق بالذنب، فسوف نعمل على إبراز البلاغة الكليّة في النماذج والنصوص التي ضمّها مختبرنا البلاغي هذا بطريقتنا الخاصة، واستناداً إلى قراءتنا الذاتية المعمّقة في نماذج من النثر السياسي العربي القديم. والجدير بالذكر، أن السارد والناقد والأكاديمي الأردني الدكتور غسان عبد الخالق، يعمل الآن عميدا لكلية الآداب والعلوم التربوية وأستاذًا للأدب والنقد في جامعة فيلادلفيا التي التحق بها عام 1996 مدرّسًا، ثم تدرّج بعد ذلك فأصبح مساعدًا لعميد الآداب، ثم مساعدًا لرئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، ثم عميدًا لشؤون الطلبة، ثم عميدًا لكلية الآداب والفنون. كما ترأس اللجنة المنظمة لمهرجان فيلادلفيا للمسرح الجامعي العربي (2003-2009) واللجنة المنظمة لمؤتمر فيلادلفيا الدولي وهيئة تحرير مجلّة فيلادلفيا الثقافية (2012-2019). وسبق لعبد الخالق أن شغل منصب أمين الشؤون الخارجية في رابطة الكتاب الأردنيين ورئيس جمعية النقاد الأردنيين لدورتين متتاليتين. وقد صدر له حتى الآن خمسة وعشرون كتابًا في الفكر العربي والنقد الأدبي والرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 03-06-2024 07:50 مساء
الزوار: 90 التعليقات: 0
|