بأسلوب شعري ممتع وخاص جدّا يعكس شاعريّة صاحبه المفرطة والموغلة في الإحساس بالكلمة حدّ التخمّر والتقمّص و الوجع هذا الوجع الذي تشظّى في كامل القصائد بصور مختلفة واستعارات ذكيّة و تصريح شجاع وتكثيف يفتح أبواب التّأويل على مصراعيها وتماهيا حدّ الانصهار في الصّور والشخوص التي وردت في القصائد ولقد حضرت الموسيقى كوحدة مندمجة مع كلّ عناصر القصيد ومكمّلة لها والجدير بالذّكر أن شاعرنا لم يسعى إليها بل فرضتها الصّياغة والتراكيب والأسلوب الذي يميّز شاعرنا فقصيده معادلا فنيا لوحدة الوجود ككلّ فلا غنى لعنصر عن الآخر ومن خلال الإهداء تتّضح معالم المجموعة ورسالتها ولكم النص
الإهداء
(الى أرواح كل الذين ماتوا من اجل قيم الحق والعدل والجمال
إلى كل الذين يحفرون في الصخر وعلى وجوههم ابتسامة تفاؤل تصنع الغد
إلى المؤمنين بالكلمة الصادقة اهدي هذا الكتاب)
يبدأ شاعرنا مجموعته (بوقفة أمام تمثال فينوس)حائرا وقد أرهقته أسئلة لم يجد لها إجابات أمام صمت آلهة الجمال المتحجّرة الخرساء لينتهي إلى (عازف ليل) يعاقر أسئلة أخرى أما م أنثى أخرى غارقة في صمت مقيت لم يحدّدها بالاسم بل اخبرنا أنها آخت لشهرزاد ..وبين هاذين القصيدين صال شاعرنا وجال فتارة يرجع بنا إلى ذكريات طفولة حالمة لا يزال يحتفظ بكل تفاصيلها وأخرى يعرّي أمّة العرب ويبحث عن ذاته وعن ملامحها بين أكوام التّراب والدّمار وأيضا عن طفولته المسلوبة حالما بغد أفضل وأخرى يحبّ ويعبّر وتارة(ليس عنده ما يقول)ولكن حين يتكلّم يتدفّق كشلاّل ليغدق على الكادحين والمحرومين والمظلومين من أبناء هذه الأمة لكن سرعان ما يتراجع ليعاتب ويلوم ويثور ويلعنهم ويجلدهم بسياط حرفه المعتّق في المبادئ والحامل لهموم الإنسانية انه صوت صدح بالحقّ حين كانت تونس بين براثن الطّاغية المخلوع فكان القلم هو ملاذه الأوحد والأوراق هي الجضن الذي يمتصّ آلامه وثورته ليصنع بالكلمة الوطن المنشود (وطني القصيد)
ويعتنق التّرحال في(السّندباد الحائر)ولعلّه في قصيد
(مملكة الشعر) يكشف عن كل أحلامه العروبية ويتّضح توقه للوحدة هاجس كل العرب على عكس حكامهم فيقول
(احنّ إلى وطن ليس فيه حدود /
أسافر منه إليه دون جواز سفر//

ولعل أغلب القصائد كانت في المرأة أمًّا وابنة وزوجة وعشيقة وحبيبة وحلما صعب المنال وجرحا لم يندمل وعاشقة تهيم به وتغازله و أحيانا معتذرة ضعيفة ترجو الصّفح ولكنّها في مواضع أخرى تأسره ويطلب ودّها ويرجوها بأن تذكره وينكسر بفقدانها ويُبعث شابّا يافعا حين تغازله فالمرأة لازمته طيلة رحلته في الحياة وها هو يعكسها شعرا لتتعدّى حدودها الضّيقة وتكون له وطنا وعروبة وكرامة وحرّيّة و..و,, فللأنثى العديد من الدّلالات ولقد وظّفها شاعرنا كأحسن ما يكون
(وينتصر الورد) الأحمر والأبيض وما يعنيانه هذان اللّونان ...
هي فسحة في رحاب الشّعر لاكتشاف ذات تعتنق الكلمة مبدأ ورسالة غايتها نشر الحبّ والسّلم والإخاء والعدل والجمال والكرامة والحرّيّة وخاصّة الهويّة العربيّة والوطنيّة
ومهما كتبت فلن أنجح في الإلمام بكلّ جوانب الجمال في المجموعة ولن أعطي الشّاعر حقّه وما عليكم سوى البحث عن كتاب و(ينتصر الورد) للشّاعر والمترجم محمد صالح الغريسي لقراءته ومتأكّدة أنكم لن تندموا ...