|
عرار: المحامي خليل البنا - الكتاب والأدباء والشعراء والعلماء والمفكرون هم النخبة في كل مجتمع والصفوة والقدوة فيه وهم الطليعة للتطوير والتغيير على كل صعيد، وإذا خلا شعب أو أمة منهم فإنه يُتودَّع (بضم الياء وفتح الدال) منها. وتصبح مع الزمن أثراً بعد عين فهؤلاء يكتبون أحرفاً من نور في سجلات تاريخها، ويرسمون بثاقب فكرهم ورؤيتهم حاضرها الراهن ومستقبلها كما يجب أن يكون. ومن يئس في خضم الحياة وأمواجها العاتية أولئك الأدباء والمفكرون والشعراء والعلماء الذين ذكراهم أبد الدهر على كل شفة ولسان وتتباهى بهم أممهم وترفعهم إلى أعلى عليين من التبجيل والاحترام والافتخار والتقدير وتخلد ذكراهم وتقيم المحافل والمنتديات والمؤتمرات- حتى على المستوى الدولي. للاحتفال بهم والتذكير بمآثرهم… وما تركوه من نتاج لا ينسى ولا يبلى خالد أبد الدهر فمن ينسى المتنبي وأبو العلاء وابن خلدون وابن رشد وشكسبير وموليير وأديسون واينشتين وهيجل وماركس ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وطه حسين وأحمد شوقي وأبي القاسم الشابي وغاليليو وكوبرنيكس وأوغست كونت وجان جاك رسو وسيجمند فرويد وغيرهم المئات بل الآلاف في بقاع الأرض مشرقها ومغربها.. ففي كل أمة يظهر هؤلاء ليخلدوا ذكراها ووجودها مهما ضؤل عددها.. فهم يرفعون أعمدة حضورها والإشادة بها لأنها أنجبت مفكراً أو شاعراً أو أديباً أو عالماً.. أو فناناً أمثال موتسارت وبيتهوفن وتشايكوفسكي وسيد درويش أو دافنشي وغيرهم، لتكون آثارهم وما تركوه للأجيال شاهدة على تفردهم وعظمتهم.. ولن تعيش أمة أو تستمر إذا ما افتقرت إلى هذه الذخيرة الحية التي لا تزول ولا تنقطع ولا تكف عن الجريان كنهر الحياة الذي لا يجف ولا تنقضي عجائبه وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي بقوله: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فاجعل لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني ولا أروع من أن يترك الإنسان شذاه الفكري والأدبي العلمي في سمع الزمان وعلى لسانه، كشجرة طيبة تعطي أكلها كل حين، ويستظل بها من هجير الحياة وصقيعها لتعطي الدفء والحرارة كالشمس الساطعة على الربوع. نعم… ليس هناك من مخلد وباق في حقب التاريخ إلا الكلمة الصادقة والهادفة على المسلات القديمة أو البرديات والجلود أو على صحائف الطين والحجارة… وفي بطون الكتب أيضاً- ففي البدء كانت الكلمة- وفي محكم التنزيل- إقرأ للدلالة على أهمية القراءة والإطلاع والتعرف على الكلمة المكتوبة أصل المعرفة وغذاء العقل. مقدمة أحببت أن أبدأ بها للانتقال إلى عنوان هذا المقال… حيث التساؤل البرئ.. لماذا هذا التشتت والتشرذم والانقسام حول هيئتين للمتطوعين لا فرق بالمطلق بين المنتسبين إليهما.. من حيث القدرة والإبداع والعطاء الفكري والأدبي والفني والعلمي إلا إذا كانت الأنفة ونظرة الاستعلاء من البعض تحول دون الالتقاء على كلمة واحدة تجمع ولا تُفرق توحد ولا تبدد تنظم ولا تشتت إذ ليس من قضية جوهرية تسبب هذا الخلاف والتدابر المستحكم من غير مبرر مقبول ولا مسوغ معقول... فكل منهما يضم النخبة والصفوة وطليعة المجتمع ولكن ومما يؤسف له- لا سبيل إلى توحدهما واندماجهما وكأن كل واحدة منهما في كوكب يبعد عن الآخر آلاف السنوات الضوئية، وليستا في عمان – عاصمة الثقافة العربية عام 2002 وكأن الخلاف المستحكم والتباين في النظرة هو الأمر الطبيعي ودونه هو الشاذ والغريب والمستهجن.. والرفض من كليهما للآخر غير منطقي وغير صحي ويثير الاشمئزاز والاستغراب والسؤال.. لماذا..ولماذا لا يتم اللقاء على كلمة سواء لنصحوا وقد أصبحت رابطة الكتاب الأردنيين واتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين جسماً واحداً يؤلف بين الأعضاء بكلتهيما ويضم بين الجنبات كل أولئك المتعاطين والمزاولين لهذا العمل الثقافي الإبداعي (الفكر، الأدب، الشعر، البحث، الدراسات، النقد) ويلتئم الشمل ليسيروا معاً نحو الهدف المنشود والغاية المتوخاه لرفع شأن الثقافة والأدب وتطويرهما… ووضع سياسة ومنهجية ثقافية تفي بالغرض وتؤطر لهما على أسس وقواعد راسخة وقويمة.. بعيداً عن عملية المد والجزر والشد والإقصاء والشعور بالأفضلية بين كل منهما… ورفض الآخر وعدم الاعتراف به فكيف بالرابطة والاتحاد… وهما تحت مظلة قانون واحد ودولة واحدة ذات سيادة وعلم وطني لا يجدان القواسم المشتركة للوحدة والاتحاد لينطلقا نحو آفاق رحبة وأبعاد واسعة من الإبداع بما ينعكس على المجتمع الأردني في نهاية المطاف وننهي حقبة التشظي والتفتت المقيت الذي لا يستفيد منه أحد… فإذا كانت الرابطة والاتحاد لا يجدان السبيل للوحدة والاندماج وهما الأقرب رحماً لبعضهما…. فكيف نطالب بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج ونرفع شعاراتهما منذ عقود طويلة.. حتى أصبحت مستحيلة في ظل هذا الانقسام العربي الذي يترك الحليم حيراناً والمؤمن في شك مريب (فرابطة واتحاداً) يعملان في حقل واحد وفي نهج مشترك… هما الأولى ابتداءاً بهذه الوحدة… لا أن يرفع كل منهما عقيرته في مواجهة الآخر… بل ومحاربته أيضاً ومحاولة تصفيته… بعيداً عن النقد الموجه من كليهما.. لكليهما… لاسيما وأن أوجه التوافق والاتفاق بينهما أكثر من بذور النزاع والصراع والشقاق وقد أثار أحدهم- استغرابي وامتعاضي واستهجاني- عندما طلب مني إعلان براءتي من عضوية اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين- إذا أردت الانتساب للرابطة وكان الاتحاد من عمل الشيطان أو أداة مخابراتية أجنبية أو هيئة غير مشروعة، وربما يكون العكس تماماً… فلماذا هذا السخف… وهذا الانغلاق والتقوقع وما يجمع بينهما أكثر مما يفرق وهما مسجلتان في وزارة واحدة (الثقافة) وتحت إشرافها وتبعيتها ويضمهما قانون واحد وأهداف مشتركة واحدة وفي كل منهما الأبناء الأعزاء لهذا الوطن المعطاء… وكيف ندعو للوحدة الوطنية بين مختلف الأصول والمنابث إذا لم يتقبل الناس بعضهم بعضاً على علاتهم، والعمل الأدبي والفكري ليس مهنة يحتكرها البعض يحصلون من خلالها على إجازة لمزاولتها- مثل النقابات التي تضم أصحاب مهنة حرفية أو علمية محددة- الأطباء، الصيادلة، المهندسون المحامون- بل هي موهبة وقدرة وإبداع يستطيعها كل فرد- حتى الذي لم يدرج على مقاعد الدراسة الابتدائية أو الجامعية فالآلاف من الأدباء والشعراء والمفكرون العظام… كانوا خارج النظام الدراسي ومع ذلك فقد خلدهم التاريخ لعبقريتهم وعطاءهم.. والحكم هنا للجمهور… وليس للجان العضوية… وما يبدعه (الكاتب أو الأديب أو المفكر أو الشاعر أو العالم) هو جواز المرور للجمهور ولا يجوز في هذه الحالة الاحتكار والإدعاء بالثقافة والتباهي بها والتسلق على أكتاف الناس من جراءها والإشارة إلى النفس بأنانية مفرطة ونرجسيَة مرضية وتورم ذاتي بهذه الثقافة بشكل ينم عن التعالي والغرور الأجوف. ويحضرني في هذا المقام دعوتي لرئيس إحدى الجمعيات في الزرقاء (التآخي) قبل ثلاثة عقود ويزيد عندما كنت مديراً للشؤون الاجتماعية… واقترحت اندماج جمعيته مع جمعية أخرى (اليرموك) فكان الجواب باستنكار وامتعاض وتحد والله إذا سلّم سليمان فرنجية- الرئيس اللبناني في ذلك الحين – لبنان إلى سوريا… فإنني اندمج وأتوحد مع الجمعية الأخرى- واستطرد… الجمعية (جمعيته) الآن بعهدة وقيادة أحد البطون من العشيرة… ولو تسلمها بطن (فرع) آخر فستقوم مذبحة – على حد تعبيره- فقلت له… إذا لم نستطع أن نوحد بين جمعيتين – وهما في الأصل من منطقة جغرافية واحدة- شمال الأردن- فكيف لنا أن ندعو إلى وحدة عربية من المحيط إلى الخليج- فأجابني – غفر الله له- أنت واهم. وهكذا… نعم… لنجد الجمعيات والروابط والدواوين الإقليمية والطائفية والجهوية والعشائرية الكثيرة تشطر جسم الوطن… بدلاً من تأسيس جمعيات وروابط وهيئات تطوعية متخصصة ولجميع أبناء الوطن بغض النظر على الجهة والمنطقة والإقليم والطائفة والعشيرة لتكون بحق عاملاً من عوامل الوحدة الوطنية وترسيخ الانتماء والولاء الحقيقي. ولست أدري عن الأسباب الكامنة وراء تأسيس مثل هذه الهيئات التطوعية التي تكرس التبعية المنغلقة على الذات وعدم الخروج من هذه القوقعة التي تدمر الوطن والمجتمع المدني في نهاية المطاف. والأولى بالكتاب والأدباء.. أن يكونوا القدوة الحسنة للوحدة تحت مسمى واحد يتفقون عليه لينتهي الانقسام والضعف… ويعمل الجميع لرفع شأن الثقافة والفكر بعيداً عن الاحتراب وتسميم الأفكار والتوجهات… وهيمنة الحزبية والأيدلوجيات التي لا تفيد البتة.. ولا تنهض بالمستوى الذي يجب أن يرافق الإبداع الثقافي في كل منحى ومجال ينعكس في نهاية المطاف على الوطن والمواطن. لاسيما وأن الطبقة المثقفة أو المثقفون هم ملح الأرض… فإذا فسد الملح فبماذا تملح كما قال السيد المسيح عليه السلام. ولا خيار لكم أيها الكتاب والأدباء إلا بالوحدة والعمل المشترك… بعيداً عن ما يعتور الثقافة من قصور أو إهمال أو اختلالات ومثالب. وهذه دعوة صادقة إلى إعادة النظر فيما يعتبر من المحرمات بكليهما (الرابطة والاتحاد) للسير في خطى الاندماج لأن في كل منكما من الكتاب والأدباء والمفكرين والباحثين.. من هو مدين للآباء المؤسسين الذي كانوا في أعلى المستويات من الزهد وإنكار الذات وكانوا المثل الحي والقدوة الصالحة ليسير على منوالهم الأبناء… والكبير ينظر إلى الأمام والمستقبل ويتخذ من الماضي الأسوة الحسنة للإنطلاق بإيمان وثقة والتغاضي عن الهفوات ونكئ الجراح والبقاء في حلقة مفرغة من الدوران حول الذات أو كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقي وفي هذا بيت القصيد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. ولن نقول لهم (كل حزب بما لديهم فرحون). كما في كتاب الله الكريم الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الأحد 08-01-2012 10:00 مساء
الزوار: 1693 التعليقات: 0
|