الألم والأمل في مجموعة «وتهمس الوعود مرة أخرى» للشاعر سليم صبّاح
عرار:
د. محمد عبدالله القواسمة يمتزج الألم والأمل في مجموعة الشاعر سليم صبّاح «وتهمس الوعود مرة أخرى» (عمان: المؤلف بدعم من وزارة الثقافة، 2004) فإذا كان عنوان المجموعة يخفي الألم ويهمس بالأمل فالشاعر ينطلق منه ليتأمل الواقع، ويتبلور هذا التأمل في قصائد تفيض بالمرارة والرفض؛ فالواقع لا يسر الشاعر عندما تتحول الأوطان إلى ملاذ للغربان، التي لا يمكن أن تحمل رايات المحبة والسلام. صار الغراب حمامة/ من بعد ما أكل الحمام/ ونام في بيت الحمام (ص48) ووجه الغرابة أن خيرات البلاد يحصل عليها العدو دون تعب ومشقة، وكأنها تهدى إليه إهداء. وحصادنا من قمحنا/ يهدى إليه محبة/ ونكاد نجدل من سنابلنا/ مصابيح الدجى/ تزجى إلى عش الغراب (القصيدة نفسها، ص49) نلاحظ أن الشاعر يعبر عما حدث لوطنه باستخدام رموز متداولة: الغراب، والحمام، ومصابيح الدجى، وكأنه امتداد لشعراء قصيدة التفعيلة من نازك الملائكة، إلى بدر شاكر السياب، إلى عبد الوهاب البياتي ومحمود درويش. وتغدو قريته «أم الشوف» من قضاء حيفا، التي صارت في قبضة العدو، عش الغراب في بؤرة اهتمام الشاعر؛ فلا يستطيع أن يفعل من أجلها شيئاً إلا التعبير عن حزنه لما حدث لها. لا تحزني.../ حتى وإن غابت رسومك/ من خرائط ليلنا/ فعلى دفاتر مجدنا/ قُبلُ السماء(ص30) لا يكتفي الشاعر بالحزن على قريته «أم الشوف» بل يتعدى ذلك إلى الحزن عما حلّ بالعراق من احتلال القوات الأجنبية لأرضه، وإفقار أهله. إنه يعجب كيف تختفي مظاهر المقاومة لهذا الاحتلال. تعالى الضجيج بليل/ الدخيل/ فكيف ينام بأرض/ النخيل/ وأغماد تلك السيوف/ رقود/ بليل تغيّب فيه القمر؟!(ص74) ومثل هذا الموقف البائس نجده في قصيدة «أيقونة القمح»؛ فلا يستطيع الشاعر أن يحقق أمله؛ فهو يراه بعيدًا عنه. ما يفعل النمل الحزين/ على الثرى؟!/ والقمح قنديل/ تعلق في الذرى(ص40) من هنا يبدأ ميلاد الموت لدى الشاعر؛ فيتساءل عما حدث له حتى يدخل كهف الخوف واليأس. ولا يجد من يجيبه عن سر هذا التحول؛ فبعد أن كان في القمة أصبح في الحضيض. قولي يا أطيار الدوح/ ما بال التلة قد خافت/ فاختبأت/ قمتها تحت السفح(ص52) وفي قصيدة أخرى جاءت تحت عنوان «النخاس» يعبر عن هذه الحالة المنهزمة بقوله: وسيوفنا أسرى المتاحف/ خلف أقنعة الزجاج(ص80) لكن مع هذا الواقع المرير، الذي يقترب فيه الشاعر من اليأس تنبثق في نفسه الوعود، ويستيقظ الأمل، وإن كان ضعيفاً، بالتغلب على ما يعانيه من مرارة وألم، كما يعبر عنه فعل «يهمس» في نهاية القصيدة التي حملت المجموعة عنوانها. وتهمس الوعود مرة أخرى/ فيعبر المشاة مرة أخرى/ برازخ النعاس/ في مشاعل من الرماد (ص42) ويستحيل الواقع حلماً جميلًا يتسرب إلى النفس الشاعرة، فيظهر مرج بن عامر رمزاً لما يمكن أن يكون عليه الحلم، حيث القمح ماثلاً للحصاد. همساً تسافر/ خلف الشراع/ تغازل ظلاً طريداً/ بعيد الكسوف/ وتحلم ليلاً بصبح الحصاد بمرج ابن عامر(ص62) لاحظنا أن الشاعر سليم صباح يمزج بين الألم والأمل في مجموعته «وتهمس الوعود مرة أخرى» إنه يغرق في أحاسيس اليأس والمرارة من هذا الواقع الذي يحيط به، واقع لا تطل منه غير خيوط واهية من الأمل والضياء؛ فلا عجب أن تتردد مفردة «الموت» في قصائد الديوان بل إن كثيرًا منها حملت في عناوينها تلك المفردة، مثل عناوين:» مدائن الموتى»، « ميلاد الموتى»، «موت»، «لماذا أموت قبيل وجودي «. من هنا، ربما، يحق لنا القول: إن مجموعة «وتهمس الوعود مرة أخرى» تحمل الكثير من الألم والقليل من الأمل، وتُقدّم حملها باستخدام الرموز الواضحة، والألفاظ الشفيفة، والموسيقى الخافتة دون إغراق في طقوس الحداثة وغياهبها.