عمان صدرت عن دار ورد للنشر والتوزيع في عمان الطبعة الأولى من مذكرات رجل القانون والخبير النفطي الدكتور محمد خليل خليل التي حملت عنوان «محطات ومواقف على دروب النضال.. من ذكريات الدكتور محمد خليل خليل.. مذكرات لم تكتمل» والتي جاءت في مجلدين كبيرين على مساحة 2000 صفحة من القطع الكبير بطباعة أنيقة، يقدم فيها الدكتور خليل لمحات مهمة تتحدث عن محطات حياته الأسرية والتعليمية والوظيفية التي امتدت على مدى تسعة عقود، فقد ولد محمد خليل في بلدة الطيبة القريبة من طولكرم عام 1924، وفي مدارسها ومدارس طولكرم وقلقيلية ثم في الكلية العربية في القدس أنهى دراسته الثانوية، وقامت الحكومة بابتاعثه لدراسة القانون في بريطانيا التي حصل منها على الشهادة الجامعية الأولى عام 1948 قبل أن يتوجه إلى هولندا لإكمال دراسته العليا في القانون. القارئ لهذه المذكرات الغنية بمحتواها يتأكد منذ البداية أن الهدف من كتابتها لم يكن رغبة من المؤلف في توثيق سيرة حياته الشخصية فقط، على أهمية ذلك، بل ذهب المؤلف إلى توثيق أحداث وأسرار مرحلة بكاملها من الزاوية التي عاشها وكان شاهدا أو فاعلا في تلك الأحداث السياسية والاقتصادية والاجنماعية، ويمكن القول باختصار إنها توثق لمرحلة بكاملها وتقدم للقارئ صفحات من سفر التاريخ العربي المعاصر حول أحداث فلسطين ونكبتها الأولى، مرورا بما حدث في بعض الأقطار العربية الأخرى. بتواضع العلماء والرجال الكبار ذهب الدكتور خليل للتأكيد في مذكراته أنه لم يقم هنا بكتابة التاريخ؛ لأن كتابة التاريخ كما يقول لها أدواتها ومعاييرها وأسلوبها، لكنه ذهب لكتابة ما عايشه وما رآه على امتداد تسعة عقود هي الأكثر حراكا وقسوة في التاريخ العربي المعاصر، وبتواضع مماثل ذهب الدكتور خليل لتقديم الشكر والامتنان لمن ساعده في قراءة المذكرات قبل كتابتها وتقديم ملاحظته، ومن بين هؤلاء القائد السياسي الليبي صالح بوصيري والسياسي الفلسطيني صلاح الدين الدباغ وغيرهما. وفي مذكراته يقول المؤلف: إنه عمل مستشارا قانونيا في الديوان الملكي الليبي مطلع خمسينيات القرن الماضي مع الملك إدريس سنوسي، كما عمل بعد ذلك مستشارا قانونيا لشركات النفط في قطر والعراق والجزائر، وبين هذه الوظيفة أو تلك افتتح مكتبا استشاريا قانونيا في عمان، وبعد ذلك افتتح مكتبا استشاريا للنفط في بيروت، ثم عاد لدراسته في فقه القانون في الجامعة الأميركية في بيروت. إن ما قام به الدكتور خليل يعبر تعبيرا واضحا عن موقفه العروبي وانحيازه لقضايا أمته، وحين كان يلتقي الملوك والأمراء والرؤساء لم يكن ذلك بهدف الاستماع أو المجاملة بل كان بهدف تقديم النصح والاستشارة الدقيقة من شخص يعتبر نفسه مؤتمنا على وظيفته التي اكتشف من خلالها أسرارا كثيرة في هذا المجال. ويورد الدكتور خليل كيف التقى عددا من الزعماء والمسؤولين الآخرين؛ ومن أبرزهم أول أمين عام لجامعة الدول العربية عبدالرحمن باشا عزام، وثاني أمين عام عبدالخالق حسونة، والشيخ زايد آل نهيان، والشيخ عيسى آل خليفة، ومحمد مصدق رئيس وزراء إيران وغيرهم، حيث كانت هذه اللقاءات وما تحويه من حوارات وتفاصيل هي محطة يقدم فيها المؤلف وجهة نظره وقناعاته في الأحداث والمواقف والسياسات العامة، خاصة ما يتعلق منها بقضية وطنه فلسطين، وظل على مدار صفحات مذكراته يسمي نكبة فلسطين عام 1948 بالنكبة الأولى، ربما لقناعته بأن التاريخ الفلسطيني الحديث وبعد عام 1948 حمل نكبات عديدة من أبرزها عدوان يونيو/حزيران 1967 واحتلال باقي فلسطين وبعض الأراضي العربية الأخرى. لم تكن هذه المذكرات لمجرد ترف فكري أو اجتماعي، ولم تكن محطة لتعبئة وقت الفراغ الذي عاشه المؤلف بعد تقاعده، بل هي كما أشار بدأت منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي ليقدم من خلالها خلاصة تجربته وقناعاته ومواقفه المهنية والسياسية، وليقدم نفسه من خلالها شاهدا على عصر فلسطيني عربي في مرحلة مبكرة اختلطت فيها الأوراق وغابت الرؤية الحقيقة للأحداث والوقائع والمؤامرات. وما يعطي هذه المذكرات مزيدا من المصداقية هو حجم الوثائق التي احتوتها، أو التي أشار إليها المؤلف وكذلك الأسماء الواردة فيها، سواء من رحل منهم أو من يزل على قيد الحياة، وهي حالة تؤكد حجم الدور الذي لعبه المؤلف، وحجم تشابك علاقاته على مساحة الأرض العربية بل وخارجها أيضا، إنها مذكرات يقول فيها المؤلف كلمته للوطن والأمة والتاريخ، وللأجيال الشابة، وكأني به يقول اللهم اشهد أني قد بلغت.