عدم تعوّده على نفسه، فيصاب بالعقم. وتعوّد الناس على الفنان يفضي بالضّرورة إلى تعوده على نفسه، فالتعوّد ليس سوى غول يبتلع الأشياء الجميلة فلا نعود نراها، ولا تعود تستوقفنا التّفاصيل الصغيرة كما كانت تستوقفنا في المرّة الأولى.
أمام معضلة التعوّد هذه لا يصبح أمام الأديب سوى ثلاثة خيارات: أن يعيد سيفه إلى غمده، وقلمه إلى غطائه، ويصمت، كما فعل الكاتب الأميركي تنيسي ويليامز، أو أن ينتحر كما فعل الشاعر الفرنسي أرمان بارتيه عندما ابتلع المفتاح الحديدي للصندوق الذي حفظ فيه كتاباته، أو كما فعل إرنست همنغواي عندما أطلق رصاصة على رأسه منهيًا بذلك حياةً حافلة بالإبداع، أما الخيار الثالث، والأكثر صعوبة،
فهو أن يكسر الإطار الذي اعتاد الناس على حبسه بداخله، ويحرّر قلمه! لكن يبدو أن الأديب العربي حالة خاصة واستثنائية، ويجوز له ما لا يجوز لغيره من أدباء العالم، ولا غرابة في ذلك، فنحن مجتمعات الخصوصيات، الثقافية والدينية والأدبية، فالأديب العربي لا يصاب بالشيخوخة الفكرية، ليس لأنها تخطئه، بل لأنّه يتحايل عليها عن طريق المبالغة في الظهور الإعلامي أو في حفلات توقيع الكتب مثلاً، لإيهام النّاس بأنّه لم يفقد القدرة على العطاء، أو من خلال الاهتمام بمظهر الكتاب على حساب جوهره؛ فصناعة الكتب أصبحت فنًا في حد ذاتها، وأصبح لدينا كتب وروايات أنيقة، وكأنّها لم تخرج من المطبعة، بل من عند الكوافير، أو عن طريق تسويق أعماله باستخدام اسمه لا قلمه!
ورواية الكاتبة أحلام مستغانمي الأخيرة «الأسود يليق بكِ» أفضل مثال على جميع ما سبق، فهي ليست إلا نسخة مكررة من رواياتها الثلاث الأولى التي صنعت اسمها وصنعت لها في الوقت نفسه قالبًا جليديًا عجزت ـ كما هو واضح- أحلام عن كسره.
فالرواية بطبعتها الفاخرة، وما صاحبها من بهرجة إعلامية، لا تختلف كثيرًا عن حقيبة يد أو محفظة من «إيف سان لوران»، فما إن تشتريها، بمبلغٍ ليس بالبسيط، وتعود بها إلى المنزل، حتى تكتشف أن البضاعة التي رأيتها على رف المكتبة أو في )الفاترينة ( الزجاجية، عادية، وأنك لم تشتر محفظة أو رواية، بل ماركة! al-marzooqi@hotmail.com