قراءة في كتاب «ناصر الدّين الأسد وآثاره في اللغة والأدب» للدّكتور إبراهيم خليل
عرار:
مرح الدّقة ناصر الدّين الأسد (1922-1915) علمٌ من أعلام اللغة العربيّة، وأستاذٌ جليلٌ ترك وراءه ما ترك من علمٍ غزيرٍ ومعرفةٍ جمّةٍ راح يتتبّعها الدّارسون والمهتمّون في العربيّة، ويكتبون فيه الدّراسات المتعدّدة ذات القيمة، ولعلّنا في هذا المقال نقف عند كتابٍ كان قد صنّفه أستاذنا الفاضل الدّكتور إبراهيم خليل متناولًا فيه آثار الأسد في اللغة والأدب تحت عنوان «ناصر الدّين الأسد وآثاره في اللغة والأدب». والنّاظر في الكتاب يجده دراسةً وافيةً تقف عند الأسد في ثمانية فصولٍ نوّع فيها وتنقّل محاولًا شمول مسيرته -رحمه الله-، فصنّفه بما يزيد عن 150 صفحة استفتحها بمقدّمةٍ ثمّ وقف عند مجلس الأسد الأدبي وانتقل منها إلى مكانته بوصفه شاعرًا وناقدًا ومحقّقًا لغويًّا وأدبيًّا، مشيرًا إلى نهجه في كتبه لتكون بعد ذلك الخاتمة وما لحق بها من مصادر ومراجع للكتاب وإصداراتٍ للمؤلف. وما نستذكره بدايةً ما قاله عبد الحميد إبراهيم :»الرّجل العظيم كالغيث العميم، أينما وقع نفع، هذا هو شأن ناصر الدّين الأسد» ص7 وهذا ما سعى إليه الكتاب الذي بين أيدينا لتبيان مكانة الأسد وتأكيد هذا القول بما تركه من نفعٍ وفوائد كثيرة، من خلال الوقوف في المقدمة على الحياة الدّراسية والتّعليمية للأسد وما فيها من عثرات. وقد تناول الكتاب ميول الأسد ودراساته الأدبية واللغويّة التي أكّدت على أنّه وحيد عصره، حيث جمع بين الشّمول منوّعًا في دراساته، وموسّعًا له بين أدبٍ ولغة.وسعى كذلك إلى التعريف به والحديث عن دوره في تأصيل الدّرس اللغويّ والأدبيّ. وقد تقلّد في حياته -رحمه الله- عددًا من المناصب منها أنّه كان أوّل رئيسٍ للجامعة الأردنيّة، وأول عميدٍ لكليّة الآداب فيها، ونال عددًا غير قليل من الجوائز والأوسمة منها جائزة عميد الأدب العربيّ طه حسين للخريجين 1947، وجائزة باشراحيل التّقديريّة 2006. واتّخذ الأسد في حياته مجلسًا أدبيًّا في بيته لبّى فيه طلب تلاميذه ومحبّيه، فكان ينعقد مرةً واحدةً في الشهر؛ يناقَشُ فيه موضوعٌ مختارٌ من صاحب المجلس. وفي إشراقةٍ على ناصر الدّين الأسد شاعرًا، نجد أنّه لم يترك لنا الكثير من الشّعر عددًا إلا أنّه كان رفيع القيمة بما فيه من رقّةٍ وجزالةٍ وإحساسٍ مرهفٍ وفيٍّ لأصدقائه، وسلّط الضوء كذلك على معاناة الشاعر ووظف الصور النّامية فيه. أما بوصفه ناقدًا، فقد تمكّن في كتابه «الحياة الأدبيّة الحديثة في فلسطين والأردن حتى عام 1950» أن يمزج بين النّقد الذي يعنى بتاريخ الظّاهرة الأدبيّة والنّقد التّحليلي الفنّي، فكان يثير القضايا ويطرح الأسئلة ويقترح الإجابات، وناقش ضرورة الإلمام بسيرة الأديب، وأين تقع مزية الشّعر؟ وتناول مسألة ذيوع الشعر منحازًا في مواقفه النّقدية للتجديد في الشّعر والابتعاد عن الصّنعة والتّكلف والقيود الأدبيّة الجامدة. كما أنّه سعى إلى التّطرق لقضيّة التّعبير غير المباشر عن المعنى، وكذلك قضيّة المعجم الشّعري الذي يتميّز فيه شاعرٌ أو كاتبٌ عن آخر. ونجده أيضًا يطلُّ على موضوع القصّة لا سيما عند خليل بيدس؛ حيث أسّس من خلاله لتاريخ القصّة في فلسطين والأردن، وتحدّث عن البيئات القصصيّة، وخصّص الحديث عن بيدس، وعرض لبعض أعماله القصصية والروائيّة، ولخّص الأحداث وذكر المآخذ عليه، كما أنّه خصص فصلًا لنتاجه في القصّة القصيرة، وتحدّث عن المترجَم منها والمؤلف. أما بالنّسبة للتّحقيقات الأدبيّة واللغويّة للأسد فقد سعى بكلّ جهوده إلى أن يوضّح الغامض ويكشف عمّا التبس ويتثبّت مما قيل منقّبًا وباحثًا في الكتب، واستطاع ناصر الدّين الأسد أن يقدّم لنا نموذجًا من التأليف يتعامل فيه تعاملًا علميًّا وفق الطّرائق البحثيّة. وبناءً عليه، فإن هذه الدّراسة التي قدّمها دكتور إبراهيم خليل، رغم أنّها لا تعدُّ كبيرةً في عدد أوراقها إلا أنها كبيرةٌ في قيمتها العلميّة وشموليتها التي من شأنها أن تعين القارئين والدّارسين والمحبّين للأسد على أن يتعرّفوا عليه أكثر ويدرسوه دراسةً تبني لديهم قاعدةً يرتكزون عليها وينطلقون منها.