|
عرار:
محمد رمضان الجبور عن أيّ واقع يتحدث الشاعر بسام عرار في ديوانه (ما يفوق الواقع)، هل يتحدث عن واقع المواطن العربي الذي أصبح يأكل ويشرب وينام أم يتحدث عن واقع الأمة وما وصلت إليه في الكثير من الأماكن إلى الانحلال والتقزّم، أم يتحدث عن واقع عالمنا اليوم الذي أصبح قنبلة موقوتة لا يحتاج دمارها إلا للمسة أصبع من مجنونٍ أصابه الغرور، إنه يتحدث عن كل ذلك وأكثر، فهذا هو ديوان شاعرنا الأول، والصادر عن دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، وقد جاء في مائة وستين صفحة، وضم بين دفتيه سبعةً وستين نصاً. المتصفح لديوان الشاعر بسام عرار يرى أن الشاعر قد ملك أدوات التحكم في زمام اللغة، فبرع في انتقاء المفردات التي تناسب موضوعات قصائده، ورغم خروجه عن الأطر التقليدية للشعر وانزياحه إلى النثر، إلا أننا أمام مجموعة من النصوص التي امتازت بقوة اللغة، وجمال الصورة، فهو يصوّر الواقع كما يراه، ويحاول اقتناص الفكرة ورسمها في لوحة وفق ما يراه في الواقع والحياة، فالمتلقي يلمح في نصوصه، الشكوى، والعتاب، والغربة، والحب، والحزن.. فهو يبكى الوطن، ويبكى الإنسان الذي شغلته الدنيا، ويبكى الواقع المرّ الذي أصبح سمة هذا العصر. ففي نص بعنوان (سحر الواقع) نرى الشاعر يبحث عن مارد المصباح، ليمسك بمشعل ليبدد العتمة، ويزيح الأقنعة التي لوّنت الوجوه، ويمضي على درب الحرية: «أين منّا أداة تنقيب/ خارطة طريق لسحر الواقع/ كي نستدل على مارد المصباح فينا/ يرسم بالألوان الزاهية في حضرة اليقين/ يسقط أقنعة العبث والتلون الممجوج/ قناع تلو قناع» (ص26) يدرك الشاعر أن عليه دق الأبواب، وعدم الصمت، فهو يمتلك الأدوات الفنية التي تمكنه من دق الأبواب المقفلة، وهو صاحب حلم جميل، وباحث يجتهد في حل المعضلات، وينفر من الفتن التي أصبحت تؤرق عالمنا اليوم: «يا ابن مخاض ذاتي/ أيها الباقي من رحمي لولادة جديدة/ أُرضعك بالعز سقياً مديدا/ ما زلت أدّخرك للدهر والإنسانية كنوزاً ثمينة/ طهر بياض الروح والنهى الرصينة/ تكوّن.. تشكل.. تبصر../ قلباً وقامةً وقيمة/ تبدى بكل تجلياتك/ لن تبقى أبداً للرماد رهينة. (ص38) الأبواب التي طرقها الشاعر بلطفٍ وقوة، فهو مرة يمدح المنافحين الأحرار الذين تلثمت وجوههم برحم الأرض، والذين يخرجون من بين الضلوع، مخضبين بالثرى الطهور، وفي أخرى يُعرج على الوطن المغتصب، فلسطين (القدس)، فيذكر ما تتمتع به هذه المدينة من قدسيّة، فيذكرها في ثلاثة نصوص متتالية، (القدس) و(هنا القدس) و(تجليات مقدسية) وفي كل نص من النصوص نرى مدى حب الشاعر لوطنه، فحب القدس، هذه المدينة الخالدة يحتل مساحة شاسعة من فكر وهواجس الشاعر الوجدانية، فالشاعر قد وصفها بما يليق بها من الصفات، فهي معراج المصطفى صلى الله عليه وسلم، «هي تاريخ ضارب ممتد/ الحضارة والرسالات العليا/ شواهد الارتقاء الحافزة/ مخاض طالت لياليه (ص 122) نحن أمام نتاج أدبي مختلف وملفت، أعتمد الشاعر فيه على لغة قوية تحكي عن ثقافة الشاعر الواسعة، فتنوعت الصور، وبدت قصائد الديوان وكأنها لوحات، لكل لوحةٍ قصة، تمرد فيها على أطر الشعر التقليدي وانزاح إلى النثر الذي منح الشاعر حرية التعبير واختيار المفردات ونسج الصور الشعرية. ومن خلال تصفح الديوان نرى أننا أمام شاعر ملتزم، أختار أن يكون حديثه عن قضايا أمته العربية وهمومها، وشغله حب الوطن والغناء لوطنه فلسطين، ذاكراً ما تمر به من محن ومصائب على أيدي الغزاة الطامعين. وخلاصة القول أن الشاعر بسام عرار في ديوانه هذا، لم يكن مقلداً، بل صاحب تجربة إبداعية، برز من خلالها حسه اللغوي المتميز، واهتمامه برصده للواقع من خلال مجموعة من اللوحات المعبرة، رصد فيها معاناة الإنسان العربي، وما يشوّه هذا الواقع. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأربعاء 06-07-2022 07:38 مساء
الزوار: 1059 التعليقات: 0
|