لمحة عن كتاب المجموعة القصصية «ماذا لو» لسمير الشريف
عرار:
انتصار عباس
تناولت المجموعة القصصية «ماذا لو» للقاص سمير الشريف والصادرة عن دار ورد للنشر والتوزيع، ومطبعة السفير بدعم من وزارة الثقافة/ الأردن، حالات إنسانية متعددة كسرتها الحياة وقذفتها حيث أقانيم الألم تنشر عذاباتها وإرهاصاتها، أسماؤها تحكي حالها: ليل، وداع، حكاية، موج، سقف البيت، حكاية، موضة، صفير، دهشة، وغيرها من العناوين الأخرى، والتي من خلالها استطاع الكاتب ولوج عالم الواقع وتجسيده في مشاهد حياتية جاذبة استفاضت الحس الإنساني، و المشاعر الصادقة، كما صورت زيف الواقع المثخن بالخيبات، فعين الكاتب كاميرا تلتقط الحدث وتؤرشفة، وقد انفلتت الأحداث المتوالية تحكي عن حالها ومعاناتها، فجاء نص ليل يترجم واقعه، وغربته ص (26) «على الحد الفاصل بين الغربة والغربة، ينزرع مصباح الطريق مستقبلاً القطارات الهرمة ينكمش على روحه تنام أسراب طيور جارحة مستذكرا همهمات الذين ما عادوا يؤنسون وحدته في ليل تشرين.» واستفاض الأديب شريف في رسم أبعاد صورة المشهد الحسي «فهو يرسمه بتفاصيله الدقيقة وهو يمسك بخيط سحري خفي يربط الأشياء ببعضها ويؤرشفها بشفافية ومصداقية ذات جمالية واضحة وبلغة مكثفة، وقد عانق بذكائه الفطري هذا الواقع الحياتي والذي جنح ليشبه الرسم الكاريكاتيري المبطن، فهو ينتقد الواقع المأزوم، مصورا حياة البشر على اختلاف ألوانهم وأفكارهم ومشاعرهم؛ وقد صور تفاصيل الأشياء، ولم يغب عن باله تقديم حالات الضعف، والتهميش، وإقصاء للكينونة الشخصية وطمسها» كما في نص وداع ص (27) «شباك يفتح على وعد، أحلام تسعى، قلوب يرسمها الأمل، وقع خطواتٍ تمتصها الدرجات، أمنيات تنامُ على حافة الطاولة، تدثرها رائحة القهوة وعبق ياسميني، وسيجارة تُودّع عمرها على جدار منفضة تراكمت، عليها آثار السنين.» تسطر روح التمرد لدى الأديب نفسها ليعلو صوتها رافضا هذا الواقع المرير وتبدأ عراكها والحياة، والناس، والواقع المعلن والمفروض قسرا، في محاولة لإثبات وجودها فتفشل حينا، وتنجح حينا وهي هكذا دواليك، وإن كان ما تجري خلفه ليس إلا مجرد حلم ‹ أو عله وهم تعلق بجناح أمنية، وفي كل خطوة يصل إليها يطلق زغاريد التمني وقد جاء العنوان «ماذا لو»؟! يثير العديد من الأسئلة الشائكة، ماذا لو حدث كذا وكذا؟!، ماذا لو كنا..، ولكن بالرغم من كل ما صوره الكاتب من ألم ومعاناة وقد تجرع المرار في سبيل الوصول إلى حلمه المترع بالأماني وهي تطرح سؤالها ماذا لو؟!، يبقى الأمل ينتظر وقد استطاع الكاتب بقدرته الفانتازية على استدعاء الحالة، وتوريط القارئ في النص ليرى نفسه بكافة صوره الحياتية المتعددة.. كما في نص صفير ص (15) «يرتجل القهر، أوراق الشجر تكنس جبين الشارع، تُلملمه الذكرى، سيجارة تعيد ترتيب المتناقض فيه، المطر يلوّن زجاج النوافذ، المارة أسئلة على سيقان من الصقيع، يداعب خد هزيمته، يسرع لسماع الخطاب، ضجيج الحياة يمحو صفير الحافلات على الطريق.» ثمة تشظي وفوضى داخلية تستوطن شخصية البطل المتحرك في أغلب النصوص والتي صورت حالة الإنسان المقموع «فجاءت آهة تعبر عن مجموعة من الأصوات، والتي اشتبكت والحدث» لتنتقل من الأنا المفردة إلى الأنا الجمعية، وقد تمكنت من سبر عوالم إنسانية وهي تبث همها وأوجاعها وقد استعمرت قلب الإنسان وحواسه فكان الفقد، والحرمان، والفقر، وأماني لا تبارح شبابيك الانتظار، تنتظر، ثمة خيط خفي يجمعهم جميعا ويربطهم بما حولهم و يشاركهم وحدتهم وهموم استأنسوها فصارت جزء منهم ليس بالإمكان الانزياح عنها؛ هناك أنسنة باطنية للمكنون الداخلي للألم المنبعث من الدواخل وهو يستمطر الواقع الخارجي وقد شكل حالة أخرى امتزجت بالألم والعبق.. وأخيرا جاءت المجموعة لتصور الواقع المأزوم الذي صير الإنسان مجرد آلة تنفث الألم والحيرة والتشظي والانكسار.. لكنها في النهاية استطاعت ولوج عتبات الحياة ومحاكاتها لتبقى شبابيكها مشرعة تعبق بالروائح.. والجمال.. تميزت المجموعة بأنها قدمت ما يقارب الـ(120) نصا قصصيا تنوعت بين القصة القصيرة جدا، والومضة، نثرت حكاياتها بأسلوب رمزي يميل إلى السخرية المبطنة والواقعية.. وقد تنوعت المضامين والمواضيع في محاولة لتغيير الواقع والخروج عما هو سائد..