رحلة محفوفة بالمخاطر والتحديات خاض غمارها الصحفي والدبلوماسي والوزير الأردني محمد داودية مستلهماً قول الشاعر أبو العلاء المعري: «مشيناها خطىً كُتبت علينا/ ومَن كُتبت عليه خطىً مشاها». في محطات حياته المتنوعة حاول داودية أن يواجهها بإرادة النشمي الذي لم توقفه الملمات وتكسر إرادته الشدائد، فتحول بفعل هذا الموقف والدور الذي نهض به عبر تلك المحطات، إلى شاهد على مرحلة كانت صعبة ومرتبكة، حاول أن يوثق مرها وحلوها مذ كان صغيراً ويافعاً وفتىً ورجلاً، لتكون شاهداً للأجيال، دوّنها في مذكراته المثيرة التي عنونها «من الكسارة إلى الوزارة». ورحلة داودية لم تخلُ من المفارقات التي وضعته في صدارة المشهد السياسي والإعلامي، فقد كان معارضاً وناشطاً سياسياً، في فترة كانت من أشد فترات الإثارة في تاريخ الأردن، حملته إلى موقع مدير إعلام الديوان الملكي ومن ثم وزيراً لثلاث مرات وسفيراً في عدد من الدول العربية والأجنبية. وسيرة حياة محمد داودية كما يصفها، هي حكاية جيل مكافح عصامي ضحّى وقدّم للأردن أغلى التضحيات، اختزن في تضاريس ذاكرته تفاصيل تجربة مثيرة ومتنوعة جديرة بأن يرويها للأجيال جازماً ان أكبر الخسارات تتمثل في ان تتجاوز مئات العقبات القاسية التي وضعتها الحياة في طريقك ولا وفي معرض وصف الظروف التي واجهته يقول داودية: لقد مرت علي صغيراً، أهوالٌ وظروف غاية في القسوة، تغلبت عليها، فأفادني ذلك في مواجهة ظروف قاسية وانا كبير، صغّرتها في نظري وهوّنت على الشدائد والأهوال ولا تزال. وفرَد داودية جزءًا مهمًّا من تفاصيل حياته وكفاحه ومعاناته، بما تحمل من صمود وصعود وضنك، موضحاً انه ما كان لهذه التفاصيل أن تخبو أو تهرم أو يدركها النسيان فقد كانت وحشية وقاسية بحيث لا يمكن نسيانها. وقد آثر أن يرويها دون تزويق الواقع أو تزييفه. يتوقف داودية عند محطة بواكير حياته الصعبة طفلاً يبيع الصحف في بلدة أردنية فقيرة عند الحدود العراقية الأردنية. ومن ثم صحفي محترف، وشاب متمرد أوغل في دهاليز العمل السري المعارض ضد النظام الملكي في تلك الفترة، إلى أن أصبح عاشقاً في محرابه. ويتساءل كيف يصبح الطفل اليتيم الفقير وزيراً ثلاث مرات ومقرباً من صانع القرار في الأردن؟ انه ليس كتاباً كما يحلو للبعض وصفه، وإنما هي شهادات حية تأبى النسيان وثقها داودية وباح بتفاصيلها المثيرة انتزعها من ذاكرته التي ما زالت طرية تقاوم النسيان. والمتصفح لشهادات داودية يستطيع القول إنها سلطت الضوء على تفاصيل مثيرة من التاريخ السياسي للأردن وأجابت عن أسئلة ومقتربات عن هذا التاريخ ودور الهاشميين في بقاء هذا البلد آمناً ومستقراً. ورغم الرياح العاتية التي شهدها، برع داودية في سردها بأسلوب سلس ومثير. وحكايتي من الكسارة إلى الوزارة عنوان لمرحلة مثيرة خاض غمارها داودية وصنعت منه شخصية جديرة بالاحترام لما قدم لبلاده من شهادات توقف عند محطات حياته المليئة بالتحديات وتحول إلى مرجع وشاهد على مرحلة وما شهدته من أحداث طيلة العقود الماضية. في مستهل شهادته يقول داودية: «كل واحد منا عنده حكاية دفينة لا يجرؤ أن يحكيها» وهذا ما فعله حين سرد تفاصيل حياته مذ كان صغيرًا ولغاية الآن.