لمحة عن كتاب «البحر الأسود المتوسط» للروائي والمسرحي الأردني هزاع البراري
عرار:
خلود الواكد «البحر الأسود المتوسط» الرواية الأثر اختلافًا بين روايات الروائي والمسرحي الأردني هزاع البراري، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، والتي تقع في 255 صفحة، أصل اختلافها جاء بسبب ما تمرّ به المنطقة من سواد، فجاءت الرواية ترصد التحولات والتشوهات والانكسارات الفردية والمجتمعية منذ ما سمّي الربيع العربي، وتنتهي أحداث الرواية مع وقوع زلزال تركيا المدمر، تتقاسم الشخصيات الأدوار في حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقي منه والجنوبي بشكل أساسي، ليمتد شواطئ البحر الأبيض، وتعيش هذه الشخصيات تحت تأثير انكسارات غائرة في الذات الفردية والجمعية، بالإضافة إلى ويلات الحروب المتواصلة، الانقسام والتهجير القسري والخذلان التي عانت منها المنطقة، من حروب محلية وإقليمية لا تتوقف. وفقدان بوصلة الروح والعقل، وحالة الضياع التي يعيش بها المواطن العربي، ظهرت الرواية بتفاصيلها المهمة بعيدا عن البعد السياسي، وكشفت المشكلة الاقتصادية والاجتماعية وأثرها على الأسرة العربية. استطاعت الرواية التي امتدت أحداثها من عام 1948 حتى عامنا هذا مرورا بالنكسة عام 1967، ونقل صورة دقيقة للألم العربي والتفكك وأشكال الموت التي لحقت بالشخصيات. جاء كريم الصحفي الذي درس الإعلام رغماً عنه بسبب علاماته في الثانوية، واعتقد من خلال الصحافة سيصل إلى الحقيقة المفقودة، كان كريم رجل غريب حائر، يهرب من مواجهة ما يتورط به، يحاول أن يصل إلى الأشياء ولا يصل، فقد والدته بسبب انفصالها عن أبيه وتزوجها بآخر، ووفاة أبيه بعد سنوات وشعوره بالضياع وفقدان البوصلة، يظهر له وليم الابن الذي جاء من علاقة بلا حب بلا ملامح، كريم رحال بكلمات قليلة يصفعك بحقيقة ناصعة، أو يتركك في مواجهة فوهة ضخمة من الأسئلة الحارة. جاءت الرواية بلا إهداء، لعل الأديب هزاع أراد أن يقدمها إلى كل من سكن البحر، أو سكنه البحر. جاء السرد كالبحر الأسود، صامتا يغرق بالضجيج، ينساب بلغة ذكية رصينة مبتلة بالتعب والغربة والخذلان، يسكن معنى بالغ العمق، يلملم أشلاء عن شواطئ البحر الأبيض، يعيد الحكايات ويطرح الأسئلة، التي هي وطن الشيطان، تقودك إلى الشك، والشك مصيدة، رغم سواد البحر المحزن وهو يحمل حديث الموت وذكراه، والاغتراب وقسوته، والمجهول والارتياب منه، إلى أنه له شواطئ كثيرة، تبدء منها القصص وتنتهي عند غيرها. كريم رحال، البحار الذي هزم البحر وارتدى ارتيابه في ذات الوقت، رغم شواطئه الكثيرة، وحكاياته المجنونة، وسواده تاريخه، ففي التاريخ فجوات كبيرة تتوه فيها الحكاية، البحار الذي صار كهلا فجأة، هكذا يحدث حين لا جدار نتكئ عليه، حين لا عائلة تضع البوصلة في خطانا كلما فكرنا أن نترك الطريق. «في الشرق ليس لدينا متسع لذكريات بعيدة، الجغرافيا هناك تلد الأحداث الكبرى مثل أرنبة ولود، الحياة هناك مطحنة كبيرة، والحنكة تقل في حقولنا.» البحار الذي قبل أن ينتصر على البحر، غرق فيه، البحر الذي استوطنه ضباب داكن، والخوف والهجرات القسرية التي أوغل فيها من أضاعوا البوصلة وفقدوا الهوية والوطن. وجاءتهم الأسئلة مدببة الحواف، والأسئلة وطن الشيطان، تقودك إلى الشك، والشك مصيدة، حيث لا إجابات ترتق ما مزقته الحروب والمنافي الباردة، شعوب البحر الأبيض تأكلهم الحروب الكثيرة، وما تبقى منهم تلتهمه الهجرات نحو ضفاف مسعورة الحواف، مسكونة بالخوف الأزلي، مصير يتكرر عبر التاريخ، وقدر واحد يلاحق الشعوب، يتشبثون بالأمل، والأمل بات وهم، ممسكين به، يتشبثون بظله، ولا يمسك الظل إلا المخذول، ومن يسترد الأوطان ويعيد الغيّاب، لكن الطفولة التي ضاعت منا لا يمكن أن تعود يوماً، مهما حاولنا.