|
عرار:
عمان – الدستور – عمر أبو الهيجاء «الانفجار الأكبر.. تقرير حول انهيار الغرب 1999 – 2002» هذا الكتاب آخر ما نشره الفيلسوف الفرنسي بيار توبي قبل وفاته، وقد ولد في 26 يوليو 1932 وتوفي في 29 سبتمبر 1998 وتولى تدريس نظرية المعرفة وتاريخ العلوم في جامعة باريس السابعة، ونشر عدة كتب منها: «سقراط موظفاً – ألاعيب العلم ورهاناته – هل يتولى البيولوجيون السلطة؟ - من أرخميدس إلى أينشتاين أوجه الاختراع العلمي الخفية». قام هذا الفيلسوف المختص في تاريخ العلوم ونظرية المعرفة في نهاية حياته، بنقد جذري لأيديولوجية العلم والتقنية، التي ولدت ونمت بين يدي أصحاب المتاجر، ثم اشتد عودها في أحضان المقاولين والمهندسين داخل العالم الرأسمالي، مبيناً أن في ذلك نذراً بتفكك المجتمع الغربي. صدر هذا الكتاب سنة 1995 (ترجمه إلى العربية د. محمد بن الطيب ود. عادل النجلاوي) وقوبل بصمت غريب، ومر من دون أن يلتفت المثقفون الغربيون إليه، على أهميته البالغة، وهو كتاب عجيب غريب شكلاً وأسلوباً ومحتوى، عرض فيه على سبيل الخيال العلمي والاستشراف المستقبلي والاستباق والتوقع لحدوث كارثة عظمى، تحل بالغرب، تدمر حضارته. يدور الكتاب حول ما حاق بالحضارة الغربية من سقوط مدو، وأفصح عن مضمونه من خلال العنوان الفرعي: «تقرير حول انهيار الغرب» يشرح كيف أن الغربيين كانوا قد حذروا مراراً، مما سيؤول إليه أمر حضارتهم من انهيار وفناء واضمحلال، بشتى أنواع الرسائل والتنبيهات. هذا الكتاب يدق ناقوس الخطر، أو هو التنبيه الأخير الذي استبق به الفيلسوف وقوع الكارثة، إذ صدر سنة 1995 وتوجه به إلى مثقفي عصره وأصحاب القرار فيه، وإن كان في شكل تقرير متخيل وقوعه سنة 2081 وحاصل الأمر يتلخص في سؤال: كيف وصل الغربيون إلى هذه المرحلة التي تنذر بالخطر المحدق والشر؟ هل يمكننا وصف انهيار حضارة عندما نكون جزءاً منها؟ هل يمكن إدراك المسارات منذ بداية تشكل الأزمة إلى حين وقوع الكارثة. قدم الكتاب غوصاً في أعماق التاريخ، بحثاً عن الأسباب الهيكلية التي ستفضي بالضرورة إلى تلك النهاية المأساوية للحضارة الغربية، هل كان من الحتمي أن يسقط الغرب في مثل ذلك الفراغ الروحي، في نهاية القرن العشرين، فينتهي به الأمر إلى الهلاك؟ تأتينا الإجابة من خلال بحث مضنٍ طويل، دام أربع سنوات، أنجزه فريق بحثي، تخيل توبي تشكله بعد حدوث الكارثة بقرابة قرن من الزمان. كان الحجاج في الكتاب ينمو من فصل إلى آخر، حتى صار الكتاب مثيراً، يشخص فيه المؤلف أمراض العالم الغربي، ويصف أدواؤه ويعود إلى جذورها، ويرجع إلى بداياتها، ويحفر في تاريخها، فيغوص في عصورها الوسطى مع ميلاد الطبقة البرجوازية الحضرية ودين الاقتصاد وتأليه السوق، وهو ما فسر بالتدريج جشع النخب اللامحدود، والفساد الشامل وهيمنة المال، وفتنة الآلة، التي تحولت إلى معبود في خدمة العلوم والتكنولوجيات، وهو ما أفضى إلى وباء حضاري حقيقي، حيث يسهم الجميع في الهدم عوض البناء. الكتاب عبارة عن تقرير مفصل، يتناول على سبيل الإحاطة الأسباب التاريخية والثقافية والروحية، التي أدت إلى هذا الحدث الكارثي، وهو تقرير موثق، وكأنه يستعرض الأدلة التي تدين الفلاسفة والعلماء، الذين شاركوا في وقوع الكارثة الحضارية الكبرى، والكتاب أيضاً دعوة إلى كسر نموذج الآلة الاقتصادية والتقنية الغربية الضخمة، التي تتقدم بشكل أعمى، وتحطم كل شيء في طريقها، واحتجاج على الفراغ الثقافي، والعنف الرمزي المفروض على المجتمعات الغربية. رغم علم الإنسان الغربي بأنه محكوم عليه بالفناء، فإنه لا يصدق ذلك حقاً، ومن ثم فإنه غير قادر على تغيير المساء المفضي إلى الهلاك الحتمي، يعود الفضل إلى هذا الكتاب في شرح التناقض من خلال إظهار أن الأزمة الاقتصادية والمالية، والتفاوت الفاضح بين شعوب الشمال والجنوب، وتغير المناخ، ونضوب الموارد الطبيعية، واختفاء الأنواع الحية، وتداعي المؤسسات، وفساد المجتمعات، وانهيار القيم، وشيوع التطرف والإرهاب، وعودة العصبية، والنزعات العنصرية، والعولمة الوحشية التي تبينها المجتمعات الغربية، وتدمير الطبيعة، ليست ظواهر طارئة يمكن إيجاد الحلول لها، بتدابير مخصوصة، ولكنها نتائج طبيعية لمسار ثقافي حضاري خاطئ، قام على المادية والنفعية وتأسس على عبادة التقدم، ومن ثم فإن المستقبل الكارثي للإنسانية قد برمج سلفاً. "المصدر جريدة الخليج". بعد وفاة الفيلسوف، نرى الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، فنحن نراه في هذا الكتاب يحلل بكامل الدقة الأزمة العالمية، التي تحدث الآن، أمام أعيننا، فلم يعد بإمكاننا أن نتجاهل اليوم أن المياه تتسرب إلى القارب من جميع الجهات، وأن الغرق وشيك: أزمة المناخ والفقر والمجاعة والتمييز العنصري والحروب والوباء والكوارث المتوقعة. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 15-02-2024 07:38 مساء
الزوار: 205 التعليقات: 0
|