ففي النص الاول الذي قرأه السواعير وحمل عنوان ( البطحا) يضعنا أمام مشهدية نثرية  يتعانق  فيها الشعر والسرد في حوار فلسفي اجتماعي  ضمن  إطار من زمن متحول الى أكثر من حالة، إذ تصعد (الأنا) جسر البطحا ( إحدى ضواحي الرياض في السعودية )، فيما الهموم التي تثقل فكر (الأنا) القلقة لا تجد راحة بين جموع البشر الذين يمثلون جنسيات متعددة، لأن الذات المتفكرة والمتوحدة في حالتها الباحثة عن وجودها المستقل تبتعد عن التقليد ومحاكاة السلوكيات المستنسخة، كما  أن رثاءً مرا يكتنف الخطوات التي فقدت آثار أحلامها في غفلة من زمن متسرب.
في الجزء الثاني من النص ينطلق الشاعر إلى الشأن العام، فالجسر بما يمثله من صلة وصل بين حالتن وهميين يتعالقان ليشكلا هماً واحداً ينبثق شعاعاً من أمل بفرح قريب يغسل الروح من أدران الحالة السوداوية التي تكتنف سياق النص المحمّل بشعرية القصيدة.
فيما يقف السواعير خلال نصه الثاني ( آه ) على الارض الخصبة التي تتحول إلى  (بور) أمام عينيه، فالجدب يحيط بالنفس والأرض والشيطنة تسيطر على النفوس ، متسائلا ببراءة طفل: هل سيخرج من العتمة ناس يزرعون الأرض البور، ولا يقطفون زهورها، في إحالة واضحة الدلالة إلى سرقة المقدرات وتحول الإنسان الحر المخلص إلى صورة العبد.
اختتم السواعير الأمسية التي أدارها  الشاعر جميل أبو صبيح بقراءة نص ( من يقرأ الطلسم )، الذي كتبه عن ضانا في الطفيلة، واتكأ فيها على التاريخ ، محاولاً ربط الماضي بالحاضر .
الشاعر السواعير بين أن رابطة الكتاب تعد مصدراً للاشعاع الثقافي والفكري في الزرقاء، مشيراً إلى تعلقه بالمكان الذي يركز عليه في قصائده ، حيث يتكىء  على المكان في رسم نصوصه بسبب الفرص التي اتيحت له  للتجوال في أماكن متعددة من العالم .
لفت السواعير  إلى أن الشاعر يتشابك مع المكان في حالة تحتمل التجاذب أو التنافر أحياناً أثناء تفريغه للمحتوى الفكري والشحنات الوجدانية بأساليب شعرية ترنو إلى الجمال وإثارة الأسئلة .
بدوره قال رئيس فرع الرابطة بالزرقاء جميل أبو صبيح الذي أدار الأمسية التي حضرها جمع من الكتاب والنقاد والشعراء  إنّ نصوص السواعير تعنى بالتعبير عن المكان في حالاته المتعددة وتزاوجاته مع نفسية (الأنا) الشاعرة القلقة والباحثة ، من خلال استخدام لغة متحركة تحتمل كل أنواع الإبداع والجمال. وأضاف أنّ المكان نصاً أدبياً موجود لدى الشعراء، قارئاً أدونيساً والبتراء، معايناً الكتابة عن المكان بين الواقع والمتخيل والماضي من الأحداث.
وكان شارك في المداخلات الكاتب محمد المشايخ متحدثاً عن (رسول حمزاتوف) في (داغستان بلدي)، مهتماً بالكتابة عن المكان من منظور الكاتب، شارحاً عن أدباء أردنيين كتبوا عن المكان، وقال إن الكاتب حين يعجن المكان بخلطته الخاصة فإنّ إدهاشاً وشيفرات ستكتنف النص، ولفت المشايخ إلى نحت السواعير (التحتانيون) بدلالة أرادها، وسعى إلى تفريغ كثير من الشحنات خلالها وما جاورها من ألفاظ.
كما داخل محافظ الكرك السابق أحمد القرعان معرباً عن تقديره للكاتب اهتمامه بـ(ضانا)، وتسليط الضوء عليها بأسلوبه الأدبي؛ فهي قرية تموت، تماماً كما مات بطل النص الذي أصبح من أوابد هذا المكان.
فضل قندس تحدث عن تجزئة النص إلى أفكار وفقرات يمكن أن يشارك بها المتلقي، شارحاً جمالية ودرامية صورة الجسر في البطحا، والشاعر الذي يغريه رذاذ السراب، في خضمّ هذا المزيج. في حين تناولت هنادي الصدر الجانب الروحاني لدى السواعير وجلده ذاته ليتوهج النص، مخالفاً النقل التقليدي الجغرافي أو التاريخي للمكان.
وقف الشاعر المترجم نزار السرطاوي على المشهدية التي تجمع المتلقي وتؤدي قيمةً من التشتت الحسن في ملاحقة الخيوط وقراءة السياسي بالثقافي، ورأى أن القراءة من المنتصف تثري النص، مدللاً بالإلياذة وحرب طروادة، مهتماً ببناوراما الجسر، الذي انطلق منه السواعير، وقال السرطاوي إن المرأة تكاد تغيب من نصوص السواعير، باستثناء (الفرس)، و(الحيّة)، وهي الفرس التي عبر عنها الكاتب بقوله: (آن يافرس أن يفكّ أبو محجنٍ أصفاده).
الكاتب محمود الحاج صالح استثار نص البطحا لديه ذكريات عاشها قبل خمسين عاماً في المنطقة ذاتها موضوع النص. وقال إنّ النص الجيد هو ما يفيد الباحث عن المعلومة أو التناص أو من يهتم بالجانب الفلسفي أو من يود لو عاش ما عاشه الكاتب في ربوع هذه النصوص.