عمان - اختار الشاعر عيسى حمّاد عنوان ديوانه الجديد (كوابيس منفى) وفق صياغة أنموذجية لمؤدى فلسفة بُنىً نصيةٍ منوطةٍ برؤيةٍ تقوم على منفاه المجازي الباعث على رؤية الكوابيس عنواناً معبراً بوظيفته الدلالية والتشكيلية والصورية خلافا للأحلام وتوافقا مع الرؤى التي تصور الحال المأزوم لما يستدعي التطلّع إلى ما هو جميل من خلال سبل العلاقات الثرية المتنوعة واتجاهاتها القائمة ما بينه وطبقات البناء الفني والشعري لقصائده؛ فالأحلام على الأغلب سعيدة، أما الكوابيس؛ فمفزعة على المطلق لباعث كبير من اغتراب الذات على مستوى المكان والزمان رافضة واقعاً ذليلاً لا يتكافأ مع أمانيه وطموحاته كما (الشنفرى) في رسالته (أقيموا بني أمي) لهذا جاء الإهداء «لِلقَادِمينَ على حُطامِ الذَّاكِره والرَّاقِدينَ بِلا غَدٍ؛ ما يأتي بالكوابيس مفتاحاً إجرائياً ببعديه: الدلالي والرمزي في بنائها على قدر كافٍ من اجتهاداته التقابلية والانزياحية والإئتلافية إرادة نصية لهذه الخطابات الإبداعية على نحو شعراء المهجر - عتبة نصية تحكي همّاً جمعياً لا فردياً. 
فقد صيغت الكوابيس على منتهى الجموع التي لملمت تكسّر هذه الأمة التي احتلت بونا واسعا من ديوانه الذي انتصر به إلى ديوان العرب للانخراط مع واقع اجتماعي غير متوافق لديه تماما؛ وليس هذا إلا من إيمانه العميق بأن الأدب موسوعة اجتماعية عندما يمثل الحياة؛ موسوعة تبثّ لغتها معاناته بما يترجم أحاسيس المتلقي وانفعالاته بإبداع فني لم ينأ به عن عمود الشعر وهيبته، فضلاً عن جزالة اللفظ وعمق المعاني وبراعة التصوير إلى جانب عناصر الشعرية بمؤدى انحرافات لغوية عن المعتاد القياسي والنمطي إلى حدٍ عصف بذهن المتلقي وأثاره عندما أحسن الشاعر اختياره للألفاظ، لاسيما في قصائد الحماسة صوب الوطن، سمة جلية حظيت بملكة تصويرية فائقة لموضوعاتها ومجالاتها، لاسيما (الأنا) في دائرة انتمائها الفردي التي لم تتسع لغير المتنبي من قبل؛ فقد خرجت الأنا لديه عن أطار الدائرة الفردية إلى الجمعية بصوته القوي العالي كما صمته الخانق بغصّة الحاضر الغائب لأمته؛ ليبث لها رسالة بعث للعازفين على أوتار القومية والوطنية وهو الحالم الباحث عن حاضر جميل وغد أجمل، يطيح بكوابيس المنفى وفق تعالق رتيب بدلالته الظاهراتية والمستبطنة في جلّ قصائده، لاسيما التي تنعكس من مرآة القدس تستبدل الحرائر بالأحرار الذين غفلوا عنها وتخلوا... على سبيل التعبير الاستعاري الذي ذهب إليه (ماكس بلاك) على صعيد النظرة الإبدالية التي تتواءم ما بين كبرياء السامية بالحرائر بوصفها مجازاً مرسلاً جاء بهذه العزيمة معادلاً مناسباً على اعتبار ما سيكون عندما تنجب الأحرار...؛ فيستحقوا مثل هذا النظم الجزل الإبداعي الذي لم يأتِ إلا من المصادر الثقافية المتعددة؛ ما شكّل لديه معجماً لغوياً كبيراً في مجالات متعدد وظّفها صوراً فنية مدهشة بفيض صدق الخافق على جميع المستويات، لاسيما شعر الإخوانيات الذي تماهى بالغزل الخَجِل بكل ذوق ودماثة، وكذلك الشعر الوجداني الذي تقنّع بالرمزية بحرفية عالية على غرار درويش وفق إشارات دقيقة، وكذلك شعر الفلسفة والحكمة على غرار أبي العلاء وغيره، ليأتي شعر القومية من خلال الأسير والشهيد.  
فمن هنا يأتي ضجيج الصمت الحانق ثائراً في إطار المتحرك خلافا للثابت الساكن بالرغم من سكينة التعبير بالكوابيس؛ دلالة السكون ظاهرياً بيد أنه كمن في الرمضاء تستعر؛ ما يعكس التباين الكبير في السلم الموسيقي بمستوييه الخارجي والداخلي للنص انعكاسا لقلق الذات مشكلا سلطة إعلام واسع دوّى باعترافات خطيرة إلى صديقه الشاعر محمد خضير عندما خذله الواهمونَ من زاوية تبئير داخليه بالقدر الذي يعاضده بثوب الشخصية المركزية لتعالق الراوي بمجتمعه، ما يعكس مظاهر الحياة اليومية من أسر واستشهاد ورحيل وخيانة عهد على سبيل العلاقة التبادلية بواقع الحتمية النفسية التي لا تقوم على أحادية الاعتماد كما وصفها الناقد (موركاروفسكي). 
لقد تنوّعت معاجم الألفاظ لديه لتشكّل قصائده إلى القدر الذي عكس دربته وخبرته ومدى اطلاعه على أشعار المحدثين والقدامى، بيد أن معجم العبادات وطقوسها احتل بونا كبيرا لأجله ارتقت به قيمة العمل الأدبي ومحتواه الفني عندما رفده بما يعزز منظومة الوعي الحياتي عامة والديني خاصة لاشتماله على الوعي القائم على الإدراك الحقيقي لمعنى الإتحاد الكامل لحياة الناس فيما بينهم من ناحية وفيما بينهم والإله من ناحية أخرى، كما أشار مسبّقا (تولستوي) ولعل شاعرنا يدرك هذا جيداً؛ لهذا جاء اختياره لمثل هذه المفردات موفقاً لأنها جزء من ذاته؛ فهي نتاج نوازع دواخل المتلقي عندما يسعى إليه بمشروع الشهادة رسالته ومبتغاه القائمة على الثأر إلى جانب الحب فضلا عن الشهادة وفق قيمة حقيقة فاعلة تجسّدت برؤى حياته الخاصة علاوة على حياة الناس عامة؛ ما يجعله يخالف الشاعر الناقد (كولردج) عندما عالج فصل النتاج الأدبي عن أصله في حياة الشاعر في ظلّ ما نميل إليه؛ لأنه بكل معاني الاحتراف الشعري والإبداعي القائم على البراعة والإلهام ودقة التصوير والرمز والتكثيف والإيحاء، فضلاً عن جرأة البوح في مواضع أحجمت ذاته عنها كثيراً، لاسيما الغزل ما ضيّق عليه معجم نزار.  " الدكتور حسين البطوش  "