|
عرار:
ولعل الحضور المنتظم للرواية المغربية في قوائم التنافس على أهم الجوائز الأدبية جاء ليلفت الانتباه إلى هذه التجارب الجديدة الوافدة من أقصى الجناح الغربي للعالم العربي، وليطرح السؤال عن "أسرار" هذه الحركية وعما تحمله من مقومات للتميز من حيث القضايا المطروحة وأشكال الكتابة ومقترحاتها اللغوية والجمالية. لكن هل يسمح هذا الوضع بالحديث عن نهضة روائية كاملة الأركان؟ يرى أشهبون أن حضور المغرب الثقافي ما زال قويا في مجال الدراسات الفكرية والفلسفية والنقدية، أما في مجال الرواية فهناك إشراقات تنبثق كل سنة، لكنها تظل تجارب فردية لا تعكس حضور تيار بعينه يمكن أن يكون له تأثير قوي في الرواية العربية. من وحي الواقع فهل أضحت الرواية ديوان الزمن المغربي السياسي والاجتماعي والثقافي؟ يرى الناقد شرف الدين ماجدولين أن بروز شرائح جديدة من القراء أو غواية الجوائز العربية، ليس كافيا وحده لتفسير الإقبال على الرواية في المغرب. ويعتقد ماجدولين أن وضع المجتمع اليوم الذي يعيش على إيقاع إنتاج المرويات والأخبار والصور اللفظية عن الآخرين عبر وسائط الإعلام الحديثة والتفاعلية، له دور في دعم الرغبة في تحويل الرؤى ووجهات النظر عن هذا الواقع المأزوم إلى تخييلات ونصوص روائية. وفي استعراضه لمشهد الأسماء التي تؤثت بنصوصها حركة الإصدار الروائي، ينبه الناقد إلى أن كاتب الرواية لم يعد هو "الروائي المختص في هذا الجنس ولا الناقد المزاوج بين التنظير والكتابة الروائية، ولا ذلك الذي يصدر عددا من النصوص تتجاوز العشرة في مساره الإبداعي". وأضاف "بتنا اليوم إزاء تجارب في الكتابة الروائية المغربية تراهن على نص واحد أو نصين لقول كل شيء، قادمة من خارج الحقل الروائي؛ من القصة والشعر والمسرح والفلسفة والفكر السياسي والاجتماع والصحافة وحقول أخرى لا تتصل أحيانا بمجال الفنون والعلوم الإنسانية". هي تعددية قد انفجرت أيضا -حسب الناقد- على مستوى "الموضوعات التي تتناول مختلف الظواهر المتصلة بالهوية المغربية، من التعقيدات اللغوية والإثنية والتاريخية، إلى التباسات التديّن، مرورا بترييف المدن وعتو السلطة وتغول الفساد وابتذال آليات الديمقراطية، وهيمنة مواقع التواصل الاجتماعي.. لم تعد الموضوعات الروائية تنويعا على السير الذاتية كما كان في مرحلة معينة، ولم يعد التجريب الشكلي هو الهاجس الأساسي.. بل باتت الحكاية الأخاذة والموضوع الاستثنائي والمثير هو الأساس". بالنسبة لغزالي الذي اختيرت روايته "موسم صيد الزنجور" ضمن القائمة القصيرة للبوكر عام 2014، ثمة كتابة جديدة مغايرة بالفعل يمكن الارتهان إلى فرادتها (نوعيا) في الزخم المطّرد (كمّيا) للرواية المغربية، كتابة غير مألوفة وصادمة (جماليا)، تحتاج إلى شجاعة في الاكتشاف وجسارة في البحث والقراءة، والأمر لا يقف عند حدود بعض العناوين التي بزغت في سماء الجوائز، وإنما يتعلق الأمر أيضا بظواهر سردية مهمشة خارج هذه الحدود ما يزال النقد متكاسلا في الذهاب إليها، بل لا يمتلك جسارة اكتشافها أصلا. غزالي ليس مع أكذوبة "الرواية ديوان المغاربة"، وقبلا القصة القصيرة، لأن هذا النوع من التوصيف -غير الواقعي إطلاقا- لا قيمة له ولا معنى، خاصة في مجتمع غير قارئ. لكنه يسجل فعلا أن الرواية الجديدة منصرفة بقوة إلى الزمن المغربي، تكتب تاريخه السري وتصوغ أسئلته الصادمة، وتغامر بالمضي إلى أقاصي هوامشه في أعنف أنماط تعدده وتشعبه واشتباكاته. الرواية المغربية الجديدة -على حد قوله- ليست بعيدة عن قلق الزمن والوجود المغربي، غير منزاحة عن أعطاب الكينونة المغربية، على نحو تجريبي وحداثي تخوض أشكالها في تضاعيف المنسي، معنية بالصمت المهمل خلف طاحونة اليومي، بالمأساوي والهامشي والغرائبي وبالمجهول أيضا. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 12-05-2017 12:08 صباحا
الزوار: 804 التعليقات: 0
|