|
عرار:
ثابت الطاهر يضم الكتاب مجموعة مختارة من مقالات كتبها، ودراسات ومحاضرات قدمها أو شارك فيها الأستاذ كايد هاشم في ندوات وملتقيات ثقافية في مناسبات مختلفة في الفترة بين 2007 و2018، عرض علينا فيها لوحات أدبية وثقافية جميلة مضيئة، وتحدث فيها بأسلوب أدبي سلس ممتع عن مجموعة من الأعلام في الثقافة والفكر والأدب من الأردن وفلسطين وعدد من أقطار وطننا العربي. وبقدر ما كان الأستاذ كايد موفقاً في اختيار هذه المجموعة المتميزة من الأعلام، فقد كان موفقاً كذلك في حديثه عن جوانب مختلفة من سيرهم وإنتاجهم الأدبي في مجالات متنوعة، وأدوارهم ومواقفهم المرتبطة بعصرهم وتداعياته. مع أنني أعترف بداية أنني لن أستطيع أن أفي هذا الكتاب والكاتب حقه، ولن أستطيع أن أتحدث بالتفصيل عن أعمال هؤلاء الأعلام الكبار، إلا أنني سأحاول تقديم لوحات عن أعمالهم من خلال كتابات الأستاذ كايد عنهم في كتابه. ففي حديثه عن الموسوعيين، تحدث المؤلِّف عن الأستاذ حسن الكرمي الذي كان واحداً من الموسوعيين الكبار، من خلال كتاباته وأحاديثه وإنجازاته الأدبية والثقافية المتميزة، ففي حديثه عن برنامج «قول على قول» الذي قدمه الأستاذ الكرمي وبثّه القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، فإنه يوضح دور وسائل الإعلام المسموع في إذاعة ونشر العمل الثقافي المتميز. وتحدّث المؤلِّف أيضاً عن دور الأستاذ الكرمي في مجال المعاجم، ووضعه لسلسلة من المعاجم حَرِص فيها على سلامة اللفظ ودقّة المعنى. وفي مجال التأليف تحدَّث عن كتابه «اللغة ونشأتها وتطورها في الفكر والاستعمال» . ولم تغب فلسطين عن اهتمامات الكرمي، فألف كتاباً باللغة الإنكليزية عن «مواقع القداسة في فلسطين»، وترجم فصلاً عن كتاب تاريخي عن العرب والمسلمين في الأندلس بعد سقوط غرناطة، وكان دافعه لترجمة هذا الفصل إحساسه بأوجه الشبة بين ما جرى ويجري لعرب فلسطين بالاحتلال الإسرائيلي لبلدهم، وما جرى للعرب والمسلمين بعد انهيار الحكم العربي في الاندلس من اضطهاد وقهر وانتزاع أملاك وأموال وطرد وتشريد وغير ذلك. وفي مجال الحديث عن كتابة المذكرات تحدَّث الأستاذ كايد عن مذكرات حسن الكرمي في الحياة والثقافة العربية التي كتبها الكرمي وهو في الثانية والتسعين من عمره، وحرّرها كايد مع سهام الكرمي وصدرت عام 2015 في 107 صفحات. وفي حديثه عن أدبائنا في المهجر، تحدَّث عن موسوعي آخر، هو الأديب الأردني المهاجر عقيل أبوالشعر، وكيف نقلته الهجرة من بلد لآخر، ووصل إلى منصب وزير خارجية جمهورية الدومنيكان، وتحدَّث عن دور هذا الأردني الكبير في التأليف الروائي والتاريخي، وفي الترجمة والتعريب، وتحدَّث عن نشاطه في ميدان الحركة العربية من خلال منصبه كأمين سرّ للجمعية العربية الفتاة، وجمعية مناصرة فلسطين في باريس، وألف كتباً وقصصاً ورواية باللغة الإسبانية منها رواية»القدس حرة.. نهاية غصن الزيتون».ويعتبر الدكتور عقيل أبوالشعر نموذجاً لأدبائنا في المهجر. والأستاذ عيسى الناعوري نموذج متميز آخر لأدبائنا، درس الآداب الأجنبية وكتب عنها وعن عدد من أعلامها ونشر إنتاجه بلغات أجنبية وترجم من العربية للأجنبية بعضاً من إنتاج الأدب العربي المعاصر. وأعماله مترجمة إلى أكثر من لغة أجنبية، وأصدر كتاباً باللغة الإنكليزية عن «الأدب العربي المعاصر في الأردن» و»الشعر المعاصر في الأردن وشاعره مصطفى وهبي التل»، وترجم قصصاً وروايات ودراسات وأشعار، واعتبر أحد أهم المشتغلين بالثقافة الإيطالية والترجمة منها، كما اعتبره البعض من أقدر مترجمي الشعر الإيطالي إلى اللغة العربية. وكانت فلسطين حاضرة في أعماله فترجم من العربية والإيطالية قصائد من شعر المقاومة الفلسطينية لمحمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان، كما أصدر روايات عن النكبة الفلسطينية، وكانت معظم كتاباته عن نكبة فلسطين ومآسيها. وفي حديثه عن الكاتب السوداني الكبير الطيب صالح، الذي تُرجِمت روايته «موسم الهجرة إلى الشمال» إلى عدّة لغات، والتي تحدث فيها عن ملامح الغربة، وكيف أن القيم القديمة التي كان الإنسان يعيش عليها بدأت تتضعضع، وكيف ردَّد في اللقاء الذي جمعه به كلمة «القدس .. القدس» أكثر من مرة. وفي حديثه عن أدب الرسائل والمراسلات الأدبية، وما كانت تتضمنه من معلومات، تحدَّث الأستاذ كايد عن إنتاج عدد كبير من الأدباء في هذا المجال، وأشار إلى رسائل «يعقوب العودات .. البدوي الملثم» في كتابه «رسائل إلى ولدي خالد» الذي صدر عام 1970، وتضمنت هذه الرسائل جانباً من سيرته الذاتية وقصه حياته، ويذكر كايد أن العودات كان من أغزر أدباء الأردن الرواد إنتاجاً في الكتابة والتأليف، ومن أكثرهم اتصالاً بالأدب والأدباء في العالم العربي والمهجر. وشكَّلت مراسلاته مع أصدقائه من أعلام العرب من الأدباء والعلماء، وأسفاره المتعددة مصادر أساسية لمشروعات في التأليف الأدبي. وقد أصدر موسوعة مهمّة عن «الناطقون بالضاد في أميركا الجنوبية» طبعت في حوالي (800) صفحة وصدرت عام 1956- أرَّخ فيها للحياة المهجرية بمختلف جوانبها الثقافية والاجتماعية، وترجم كتاب «الناطقون بالضاد في أميركا الشمالية» وصدر عام 1946. وله موسوعة كبرى بعنوان «من أعلام الفكر والأدب في فلسطين»طبعت بعد وفاته عام 1987. وألف مجموعة من القصص القصيرة، وكتب عن «الوطن في شعر إبراهيم طوقان». أما أستاذي جبرا إبراهيم جبرا ... الأديب، الروائي، السِّيري، فقد كانت القدس في أعماق قلبه وفي صميم وجدانه... وكتب عنها بأسلوبه المميز الذي ينبض بالحسّ المرهف والشاعرية المموسقة كما يصفه الأستاذ كايد. وفي فصل من كتابه «الرحلة الثامنة» تحدَّث جبرا عن «القدس الزمان المُجسَّر» والقدس بالنسبة له ليست مجرد مكان، إنها زمان أيضاً ...»مدينة الحلم والشوق وتطلُّع النفس البشرية إلى الله»،ويؤكد جبرا عروبة القدس... ويقول إن القدس لم تفقد مدى الدهر عروبتها الممتدة من حضارتها العربية الكنعانية الأولى، ومن بعد حضارة العربية قبل الفتح الاسلامي وبعده.. ويرى أن العودة هي أكثر من استرداد أرض سلبها العدو ... إنها استرداد القسم الأكبر من الذات... إنها استرداد للنفس بكاملها. وفي حديثه عن سليمان الموسى مؤرخ الثورة العربية الكبرى ومؤرخ الأردن الحديث ومؤلَّفاته التاريخية الموسوعية، يتحدَّث كايد عن إنجازات الموسى ومؤلفاته التاريخية. والتي تعتبر مرجعاً مهماً للباحثين والدارسين لتاريخ الأردن، كما أشار إلى كتابه عن «لورنس والعرب»... الذي تُرجم إلى عدة لغات أجنبية. ويصف كايد الأستاذ الموسى بأنه نموذج للمثقف والكاتب والأديب الأردني العصامي في العصر الحديث، ويرى أنه ينتمي لجيل الموسوعيين الذي ارتادوا منابع ثقافية متنوعة.وتشربوا أكثر من ثقافة، دون ان يفقدوا الارتباط بروح ثقافتهم الأم وأصالتها. وللأستاذ الموسى مجموعة قصصية، وأخرى من القصص المترجمة لطائفة من الكتاب العالميين. وكان من كتاب التمثيلية الاذاعية وعمل لفترة من الزمن في الاذاعة الاردنية مشرفاً على الأحاديث والبرامج الأدبية. اما الأستاذ الدكتور يوسف بكار- فهو ناقد أدبي أكاديمي عريق- أنتج حوالي ستة وأربعين كتاباً في الأدب والنقد الأدبي، ويعتبر صاحب ثقافة موسوعية في القديم والحديث والأدب المقارن، وعُرف عنه في كتاباته احترامه لأدب الاختلاف، ونزاهه الرأي واحترام الرأي الآخر، دون الإخلال بروح العصر، وقد تضمن كتابه «العين البصيرة» – قراءات نقدية قيمة لأعمال عدد من كبار الأدباء من عدد من الدول العربية، تناول فيها قضايا مختلفة في النقد الادبي بشقيه النظري والتطبيقي، قديماً وحديثاً، من خلال عدة مؤلّفات أخرى في النقد ونقد النقد. وفي دراسته عن الكاتب الدكتور عصام سخنيني، تحدَّث كايد عن كتابه «المستشرقون ومصطلحات التاريخ الاسلامي» الذي صدر عام 2007، وتحدَّث سخنيني في كتابه عن الكيفية التي تعامل بها المستشرقون مع تاريخ الإسلام وتحليل هذا التعامل ونقده. ولا ينكر الدكتور سخنيني ما قدمه المستشرقون من جهود في إحياء التراث الاسلامي، في وقت كانت المجتمعات العربية تغط في نوم حضاري وثقافي عميق، ويشير سخنيني إلى مكونين رئيسيين أثّرا على تعامل المستشرقين مع قضايا التاريخ الاسلامي؛ أولهما خلفياتهم الدينية، وثانيهما ثقافتهم التي ورثوها من أوروبا العصور الوسطى. وأشار إلى أن موسوعة الإسلام التي أعدها وحررها مجموعة من المستشرقين والتي طُبعت لأول مرة في لايدن بهولندا، أسهمت في تثبيت المقابلات الاستشراقية لمصطلحات التاريخ الاسلامي. وعن كُتّاب السِّير والمذكرات كتب الأستاذ كايد عن القاضي ماجد ذيب غنما، الذي تدرج في سلك القضاء وكان أحد القضاة المرموقين في محكمة العدل العليا. ويرى كايد أن مذكرات الأستاذ غنما التي نشرها في كتاب بعنوان «لمحة من ذكريات .. سيرة ذاتية» من أجمل ما كتب الأدباء الأردنيون والعرب عن سيرهم وعن ذكرياتهم. ويتحدث عن أدب الرحلات من خلال كتاب «تأشيرة سفر» لمفيد نحله، الذي يتحدَّث بدوره عن تنقله بين عدد من المدن الأوروبية بأسلوب قصصي وحكائي قريب من الشعر، ويتضمن لمحات عميقة، وتأملات وصوراً وجدانية. والحديث عن الشابي يذكرنا بقوله الذي تردده في مناسبات عديدة: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بـــــــد لليـل أن ينجلـي ولابــــد للقيــد أن ينكســر نعم هذه الأبيات تلخص أفكار الشابي، الذي كان نموذجاً للمثقف العربي الشّاب، وكان يتميز بدقّة الحس، وشعوره بآلام الناس، ومكابدة البؤس والشقاء وظلم الأغراب، فتفتحت في نفسه روح المقاومة. وكان يرى أن الأدب هو مظهر الروح، والنهضة الأدبية هي التي ستضمن حرية الأمة في المستقبل عندما تتحرَّر العقول من جمود العودة للماضي. وأشار كايد إلى محاضرة الشابي عن «الخيال الشعري عند العرب» التي طُبعت سنة 1930، وتحدَّث فيها عن رأيه في قصائد الشعراء العرب في الجاهلية والعصر الأموي والأندلس، أما ديوان الشابي «اغاني الحياة» فلم يظهر إلا بعد وفاته وقد توفى عام 1934 وصدر الديوان عام 1955. وفي حديثه عن الدكتور فيصل غرايبة تحدث كايد عن كتاب «عتبات المستقبل.. سيرة كفاح وسيرورة وطن».ويعتبر الكتاب من كتب السِّير أو المذكرات، تحدث فيه المؤلِّف عن نشأته في بيئة مُحِبّة للعلم والتعليم والانتماء لمجتمعه ووطنه، وعن مراحل مختلفة من حياته وما واجه خلالها من صعوبات، الأمر الذي جعل الكاتب يعتبر كتابه بأنه عبارة عن سيرة كفاح. وعبَّر الدكتور غرايبة عن إعجابه بفكر ابن خلدون، كما تأثر بأفكار مالك بن نبي. ويؤكد الدكتور غرايبة ضرورة تعرف الإنسان على نفسه أولاً ومعرفة الآخر من دون تعالٍ عليه أو تجاهل له. ويرى أن أزمة الحياة العربية تكمن في تحديين اثنين: الأمن القومي بمعناه الشامل، والأمن الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتنمية. وعن إبداعات تيسير سبول تحدث كايد عن رحلة سبول في الرواية والقصة والشعر والنقد، وأشار إلى رواية «أنت منذ اليوم» التي أصدرها عام 1968 قبل انتحاره عام 1973، وما تضمنته هذه الرواية من أفكار عن القيم الإنسانية والفكرية والأدبية. وكانت له أحاديث إذاعية حول القضايا الأدبية، بالإضافة لما كتب من قصص ومقالات ودراسات نشر معظمها الناقد الدكتور سليمان الأزرعي في كتاب «الأعمال الكاملة لتيسير السبول». لكن تظل أسباب انتحاره غامضة ولا يُعرَف إن كانت سياسية أم شخصية. وكان للأستاذ كايد في كتابه حديث طويل عن الناقدة والشاعرة أمينة العدوان التي أصدرت عدة كتب منها»دراسات في الأدب الأردني المعاصر»و»مقالات في الرواية العربية المعاصرة»، ودراسات أخرى حول نتاجات روائية وقصصية عربية وأردنية. وقد أصدرت الشاعرة أمينة العدوان عدة مجموعات شعرية، وكان لها دور كبير في خدمة الحركة الأدبية في الأردن ودور بارز يعبِّر عن مساهمة المرأة الاردنية الأديبة والكاتبة في حقل النقد. وتعتبر أمينة العدوان شاعرة وناقدة أدبية متميزة ويلاحظ القارئ لإنتاجها مدى تأثرها بنكبة فلسطين وأحداث عام 1967.وترى أن على المثقف أن يفتح النوافذ لمراجعة الذات العربية وإزالة أقنعة الزيف والخداع التي حجبت نُذر الواقع الهش قبل هزيمة 1967. ويختتم الأستاذ كايد كتابه ببحث عن قاسم أمين وكتابه «تحرير المرأة»، ويعتبر قاسم أمين رمزاً من أبرز رموز حركة اليقظة والإصلاح والتنوير في الشرق العربي. لقد عرض علينا الأستاذ كايد في كتابه لوحات مضيئة تنقل معنا فيها من نماذج مختلفة من الإنتاج الأدبي والثقافي والعلمي لقامات عربية كبيرة، وقد أراد من خلال حديثه عن هذه القامات – كما ذكر في مقدمة كتابه- أن يُسهم في توعية الأذهان من جديد بأهمية الأدب ودوره في التعبير والتجديد، وفي فهم حاجات الإنسان الروحية والعقلية والشعورية. ودعوة النشء الجديد من شبابنا وشاباتنا إلى محاورة النماذج الإنسانية وتجاربها الفكرية التي تركت بصماتها جلية واضحة في سجل الثقافة العربية. إن كتاب «الكاتبون بالضوء» يعتبر إضافة نوعية متميزة للمكتبة العربية. فكل الشكر والتقدير للأستاذ كايد هاشم على كتابه.. ونتطلع الى المزيد من إنتاجه الأدبي المتميز. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 01-01-2021 10:24 مساء
الزوار: 805 التعليقات: 0
|