|
عرار:
نايف النوايسة لم تتغير مواقفه أبداً أو تعصف برؤاه إغواءات المنافع، فهو ثابت كالطود عند زرْعه الذي بذر بذاره في تربة المكابدة وروّاه من غادق إبداعه حتى أينع وحان قطافه عناقيد منضدة في إصدارات متتالية. هو المفكر العميق الأستاذ إبراهيم العجلوني الذي التقيته في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وانعقدت بيننا أواصر صداقة تجاوزت ساعات العمل في وزارة الثقافة لتشمل الانهمام في شؤون الثقافة والفكر كافة؛ مدارسةً وكتابةً ولقاءاتٍ لا تنقطع، مبتدأُها ثقافة وخواتيمها ثقافة، وعندما يصدر لأحدنا كتابٌ يكون الاحتفاء به عظيماً ونتلقاها تلقيّاً محترماً.. ومع تقدمنا بالعمر، فلم تزدنا السنين إلا إصراراً على الإبداع المتواصل حتى تراكمت النتاجات وتجاوزت بعددها العشرات، وهو لعمري عمل جليل نُودعه المكتبة، ونضعه بين أيدي الأجيال برهاناً على كيفية التعامل مع الزمن ودليلاً على أن الإنسان الفاعل هو من يحمل سقف الحياة بوعي وعقل واقتدار. قبل أيام حملت إليّ نسائم المحبة ثلاثة إصدارات لأخي الأستاذ إبراهيم هي: رؤى نقدية في الثقافة الاردنية. مسلمون وصهاينة وامريكان. إبراهيم العجلوني (مرايا الحضور)، وهو من إعداد وتقديم الأستاذ سمير اليوسف.. ومع تيقني التام من أن الأستاذ العجلوني على بصيرة واعية مما يكتب، ويتقدمه نظر ثاقب يحفر في جدار الفكرة ويغلّف كل ذلك بلغة عالية المستوى ليأتي ما بناه على سويّة عالية من الاكتمال، فقد جُمعت بين يديه ما بان وخفي من مظان اللغة، وتوافرت له الأسباب المحقِقة لامتلاء مكانزه بالثقافة من كل أبوابها، فلا يحتار في التقاط الفكرة ولا تلتبس عليه وجوه القول حين يشرع في الكتابة. لكنني سألتقط مما قال في مقدمات كتبه لأنير الطريق أمام من يتبع الأسباب إلى مضامين هذه الكتب. يقول في مقدمة كتابه: (رؤى نقدية في الثقافة النقدي) الذي بلغت مقالاته ست وثمانين مقالة: تمثل هذه المقالات/ الرؤى ألواناً من المواكبة النقدية لكثير من الوقائع التي شهدتها بلادنا في ما يقارب ربع قرن من حياتنا الأدبية والفكرية.. وهي وإن تقاطرت آحاداً وتفاوتت أغراضاً؛ تأخذ سَمْتها في نسق مًطّرد تتابعت فيه للكاتب إصداراته..)، وحينما نلج في ثنايا الكتاب تتلقفنا العناوين ولا نملك حينها ألاّ قراءتها كاملة، لكنني في هذه العجالة سأختار فقرة من مقالته: (في التنمية الثقافية)، ويقول فيها: التنمية مفهوم كمي، وحتى نبسط هذا المفهوم على السياسة أو على الثقافة فإن علينا أن نتأوله على نحو يجيز لنا مغادرة الكم إلى الكيف، وذلك تأويل بعيد تتقطع دون تحقيقه الأنفاس وتحار الألباب). وفي فهمه للتنمية يُحدد موقفه من الكم والكيف، وما ينبغي علينا إزاء ذلك حتى لا يضيع ما تراكم لنا من إنجازات ثقافية في لحظة عَماء ما بين الكم والكيف، وهي البصيرة النافذة التي يرى فيها العجلوني الحياة وما تكتنفه من قضايا. وفي كتابه (مسلمون وصهاينة وأمريكان/ وقائع وأصداء) الذي تضمن سبعاً وسبعين مقالة، نجد أنفسنا أمام إضاءات تشكلت واستدارت بكلمات دالة ومقالات ذات أهمية لبث الوعي وتفتيح مصاريع البصيرة، ويقول الأستاذ العجلوني في المقدمة: ترصد مقالات هذا الكتاب بعضاًمن وقْع هذه الأحداث الجسام التي تعرضت لها أمة العروبة والإسلام على مدى نيّفٍ وثلث قرن من الزمان. ويرى الكاتب أن هذه المقالات قد يطويها النسيان لولا أن أسبابها قائمة متجددة، وبخاصة ما هو متولد من وجود الكيان الصهيوني في المنطقة وبدعم من القوى الاستعمارية، وغفلة الأمة وما أحاط بها من أساليب لاستلاب وعيها وقدرتها على النهوض. ويرى بأنه من المحتم علينا الوقوف أمام هذه الهجمة سواء بالسلاح أو بالفكر، وقد أملى هذا على الغيورين من مفكري الأمة ومثقفيها أن يقدموا ما استطاعوا من صنوف المقاومة الروحية والعقلية على نحو ما تمثّل في هذه المقالات التي تضمنها الكتاب وفي نَفَسٍ قوي لرفض الهزيمة والإصرار على بثِّ وعيٍّ عربي إسلامي ينير الطريق لمن يريد. وفي الكتاب الذي أعده وقدم له الأستاذ سمير اليوسف وعنْوَنه بـ(إبراهيم العجلوني/ مرايا الحضور)، أوجز فيها اليوسف الحديث عن الاستاذ العجلوني بقوله: (ولقد أدرجت مواد هذا الكتاب في أربعة أبواب، أولها للمقدمات التي كتبها لنخبة لأعلام الفكر والصحافة في الأردن لستة من الكتب المهمة للعجلوني، وثانيها للأصداء التي أحدثتها كتب العجلوني ومقالاته بما في ذلك مجلة (المواقف) التي أصدرها أواخر الثمانينيات، وثالثها لمساجلات وتعقيبات وردود أحدثتها آراءه في واقع الحياة الفكرية في الأردن، ورابعها لعدد من المقابلات الصحفية التي أُجريتْ معه، والتي يمكن من خلالها إضاءة كثير من أفكاره ورؤاه). إن الحديث عن المفكر الكبير الأستاذ العجلوني يستوجب قراءة نتاجه جميعاً للوقوف على مواقفه ورؤاه وإضاءاته لعتمة الواقع؛ وما هذه القناديل التي رفعها في سماء المعرفة إلاّ علامات دالة على حارس أريب يقف على ثغور الوعي والفكر والثقافة بصلابة، وقامة فكرية ثقافية لا تُطاول.. المصدر: جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 04-06-2021 12:01 مساء
الزوار: 943 التعليقات: 0
|